الاثنين، 27 أغسطس 2012



بعد لحظات ستكون ذكرى الجارح الحنون.

...كان صوت الغارة غريبا هذه المرة، اعتقدنا انه سيقتلع جبلا كاملا من مدينة البيرة، تدفق العشرات على سلم المبنى وتعطل المصعد، على الدرج قالوا ان الصاروخ سقط قرب المقاطعة، قد يكون ابو عمار هو الهدف، وامام المبنى سمعنا احدهم يقول: اغتالوا ابو علي، وانطلق مارثون عفوي على شارع الارسال باتجاه مكان سقوط الصاروخ، مثل موت على طريق القرية. 
جريت انا وسلوى بجنون، سلوى التي لم ارها يوما الا وهي منشغلة ومقيدة باربعة اطفال وزوج اسير، تحررت هذه المرة، سابقتني ورأيت دموعها تنهار بدون اصوات تذكر. 
مات . خلص مات. 
مات الذي كان يجلد الاولاد في مخيمات عمان اذا تراجعت علاماتهم في المدرسة.
مات ابن المزارع وصاحب مطعم الفول والفلافل الذي استقطب الناس للثورة حتى وهم يأكلون.
مات الذي اختار تاريخ "23 يوليو 1963" يوما ليتزوج فيه، كان يعتقد ان الاسرة ثورة احرار. 
مات الذي لحق المنشقين بالسلاح خوفا عليهم من التيه. 
مات الذي كان يسلم على ابناء مخيم الجلزون كأنه عمهم العائد من هجرة عمل قاسية.
مات الذي رأيناه تحت رحمة غضب بائع الخضار في "الحسبة"، وهو لا يعرف انه امام اقدس القادة العائدين. 
مات الذي انهت عودته الى فلسطين جدلا ساذجا حول "هل انت مع اوسلو او ضدها؟". 
مات الذي كان يذهب لتلفزيون فلسطين بدون ربطة عنق. ويجرح الهويات السياسية ويحاكمها ويكشفها دون غرور او استعلاء.
مات، لكن انسانيته كمحارب، اصرت على القتال من القبر، وانهت من العالم دونية وزير حقيبة العنصرية في اسرائيل. 

ابو علي مصطفى: ذكرى النرجس الفقير، الذي يسلم على الشمس، ببتلات تنتشر كل عام على التلات الجافة.

بقلم: صالح مشارقه

الخميس، 16 أغسطس 2012

ليس بالخبز وحده يحيا الانسان .. بل بكل كلمة يفوه بها

الكسندرا حلبي (ام رائد)
 لا تتابع ولا يهمها حلقات المسلسلات التركية، ولا يعنيها من يفوز في برنامج المواهب العربية، وليست قادرة على التنزه او التسوق في ايام الاجازات. فهي بالكاد تجمع وتطرح وتزيد وتحسب ارقام وتواريخ  كثيرة، ما بين تاريخ اعتقال وتاريخ افراج وموعد محكمة  بالاضافة إلى عدد ايام الاضراب عن الطعام، تحاول ان تراجعها في كل مساء لكي تبقى على تواصل روحي بينها وبين ابنائها الاربعة القابعين في سجون الاحتلال.
هي ليست الخنساء، فلم تنظم شعراً لأبنائها، بل هي تحفر بارادتها طريقا للوطن وتصبر وتستمر في المضي قدما، تتعب من اخفاء الدموع في عيونها وتذهب لبيتها  ببطئ شديد تاركة ألماً كبيراً في قلب كل من يقابلها او يجلس معها .
والدة الاسرى
بدأت مواجهتها مع الاحتلال منذ 8 سنوات، حيث كان اعتقال ابنها الاول (رائد) في صيف 2004 بعد ان اقتحمت قوة من الجيش منزل العائلة وخرجوا معهم الابن الاكبر وخلفوا دمارا في المنزل، وما ان مضت ايام قليلة حتى عادوا واعتقلوا الابن الثاني (نائل) ومن ثم عادوا ليعتقلوا الابن الثالث (ناصر) بعد فترة.
وبدات الام والاب في مرحلة جديدة وفصل جديد من فصول المعاناة الفلسطينية، إلى أن خرج أبناءها الاثنين بعد مضي عامين وبقي واحد فقط، انتظرته امه طويلا لكي تحقق حلمها باجتماع العائلة، وان ترى ابنائها حولها.
تجتهد الام كثيرا لكي تنسق وقتها ما بين السجون والمحاكم، وتنسى في كثير من الاحيان ان تتناول طعامها من شدة التوتر اليومي الذي تعيشه.
فذاكرتها اصبحت مثل رزنامة يوميه او اجندة مكتظة بالمواعيد ولكن لا تفوتها اي نقطة او ملاحظة او موعد، وبعد سنوات عجاف عاشتها العائلة مشتتة ومبعثرة قسرا عن بعضها، بدأ الاولاد بالخروج من السجون، فقد خرج رائد وقضى حكمه وهو 17 شهر ونائل وقد قضى حكمه وهو 54 شهر وناصر وقد قضى حكمه وهو 24شهر .
لم تنتهي المعاناة هنا ولم تفرح الام كثيرا حيث أعاد الاحتلال اعتقال ابنائها مرة اخرى، ليطال الاعتقال الابن الرابع (رامي)، لتعود الام الى برنامجها مرة اخرى، تخرج من المنزل قبل شروق الشمس وحيدة في الشارع تمشي الهوينه وبوصلتها الوحيده هي قلبها.
في الرياح العاتية يعتمد القلب
تعود الى المنزل مثقلة ومتعبة لتعيش بين كلمات ابنائها أثناء زيارتهم،  تحاول ان تعيد الامل الى نفسها لتهيئ نفسها الى يوم جديد وزيارة جديدة او محكمة قريبة او لتدون ما يحتاجه ابنائها من اغراض لكي تؤمنها لهم في الزيارة المقبلة .
 ابنائها الاربعة اصبحوا خلف القضبان، وهي مازالت تناضل وتحارب وتتنقل بين السجون والمحاكم واضافة لذلك اصبحت ملازمة لكل نشاطات الاسرى في خيم الاعتصام وملتزمة في جميع المواعيد ولا تتاخر على اي موعد، تراها تقف بهدوء ووقار تحمل صورة لابنائها الاربعة وفي تجاعيد وجهها ترتسم خارطة الوطن وداخل قلبها تعزف لحن الوطن .
ورغم الانهاك والشوق والمعاناة التي نراها في عيونها الا انها تحمل من الصلابة والاباء ما يكفي الانسانية لتتحرر، نعم فهي التي انجبت مقاتلين رائعين مضوا في طريق الفداء وتقدموا الصفوف.
هي الام التي في اشد الظروف وأصعبها تقول: انا مثل كل ام فلسطينية لا أكل ولا اتعب طالما اولادي مناضلين ماضون الى تحرير الوطن.
 إنه الوطن الذي يزرع فينا عشقه الابدي وهي الام التي تزرع في الوطن جماله الازلي، وهي المدرسة الوطنية التي تصنع اجيال المجد .
الأبناء الأربعة: وهم جميعهم الآن خلف القضبان
رائد سمير حلبي: يبلغ من العمر 28 عام وهو من مواليد 6/3/1984 درس علم الاجتماع في جامعة بيرزيت  وانهى البكالوريس في عام 2008 عمل كباحث ميداني في الحركة العالمية للدفاع عن الاطفال/ فرع فلسطين . قضى 17 شهر سابقا وحاليا يقضي حكما لمدة 26 شهر.
نائل سمير حلبي: يبلغ من العمر 25 عام  وهو من مواليد 17/6/1987 وهو طالب في جامعة بيرزيت –كلية الاداب وقد قضى 54شهرا ما يعادل اربع سنوات ونصف وحاليا يقضي حكما لمدة 14 شهر.
ناصر سمير حلبي: يبلغ من العمر 22 عام وهو من مواليد 26/1/1990 يبلغ من العمر 22 عام درس في جامعة بيت لحم وتعرض للاعتقال لمدة عامين (24 شهر ) وانتقل للدراسة في جامعة القدس المقتوحة في رام الله لدراسة علم الاجتماع وحاليا هو موقوف.
رامي سمير حلبي: يبلغ 27 عام وهو من مواليد 26/3/1984 طالب في جامعة القدس المفتوحة  وهو موقوف.