الأحد، 31 مارس 2013


فلسطين التي رأيتها بعيون أغصان البرغوثي


لدي إعتقاد جازم ( لا يستند على أي حقيقة علمية) أن درجة تركيز الإنسان تكون أعلى عند الأحداث غير المرغوبة بالنسبة له و ربما هو أمر يخصني وحدي؛ أدلل لنفسي بذلك عبر الذكريات التي أحملها من طفولتي فأنا لا أستطيع أن انسى من كان يمارس الجلد من المعلمين، أتذكر جيداً طابور الصباح الذي لم يرق لي يوماً، أتذكر جيداً أناشيد الحرب المقيتة التي كنا مجبورين على التغني بها كل صباح، أذكرالصف و الإنتباه.
 أذكر فيما أذكر من طفولتي ايضاً تلك القصيدة:
“انا من يافا انا من صفد… سرقوا وطني…. وطني المحتل فلسطين.. “

 لا أنسى أنني تعرضت للزجر عندما سألت الأستاذ: ( لكن يا أستاذ انا و طني السودان ما فلسطين!) عندها هاج و ماج الرجل الذي إعتبر إعتراضي “قلة أدب” و عدم إحترام للحصة؛ حفظت القصيدة عن ظهر قلب متبعة منهاج (مجبر أخاك لا بطل).
أذكر من أناشيد الصباح على سبيل المثال:
“في حماك ربنا.. في سبيل ديننا.. لا يروعنا الفناء… فتولى نصرنا”
ناهيك عما كانت ابواق المذياع و التلفزيون تعج به من اناشيد و هتافات مثل:
امريكيا روسيا قد دنا عذابها”
“خيبر خيبر يا يهود جيش محمد بدأ يعود”
فمثلاً بما ان الهتاف كان له علاقة بخيبر و اليهود فساحة المعركة في خيالي أنذاك كانت صحراء قاصية محاطة بأشجار النخيل، و جيش محمد ( الذي بدأ يعود) و اليهود يتعاركون مستخدمين السيوف و الخناجر و الدماء تكسو تلك الاراضي.
ببساطة كانت ذاكرة طفولتي ( وطفولة من في جيلي) أقل ما يقال عنها أنها “دموية” فمحمول الأغاني و الهتفات التي يتعرض لها الطفل من أمثالنا في المدارس، الشوارع و حتى المنازل معباً بالكراهية، الدماء، و كل ما للحروب من محمول.
من ضمن الحملات الفاشلة للحكومة السودانية ( مع” الجهاد” في الجنوب، الحرب ضد غير المسلمين، غير “العرب” ) فشلت أيضاً حملات الحكومة السودانية للتضامن مع الشعب الفلسطيني فقد تم إفراغ هذا التضامن من معناه و مضمونه، لا أنكر أنني طفلة فجعت و بكيت عندما شاهدت كيف قتل محمد الدره
ولكن…. بكيت أكثر عندما علمت أن ببلادي مئات الألاف من محمد الدره الذين يموتون بصمت. تتضامن حكومتنا مع محمد الدرة و تقتل الألاف من محمد الدره هنا في بلادنا!
فقدت معاني التضامن ببساطة لأن البوق الرئيسي لهذا التضامن في بلادي كانت\وما زالت حكومة تقتل الملايين من مواطنيها، تغتصب مئات الألاف من نسائها، تشرد ملايين الأسر، تحرق القرى و ترمي معارضيها في بيوت الأشباح عندما لا تقتلهم. ببساطة كنت أخجل من أن أتضامن مع ذات الشعب الذي يتضامن معه قاتل مثل البشير و انا أراه يغدق على حركة حماس بملايين الدولارات لأنها (حركة عربة إسلامية)  و السودانيين يموتون بسوء التغذية هنا و هناك. سبب أخر أنني كرهت العرب و العروبة التي بإسمها تحشد الجبهة الإسلامية\ المؤتمر الوطني الحاكم الشباب لقتل جيرانهم و أهلهم بدعاوى النقاء العرقي الساذجة. 
كبرت و ما زلت ككثيرين من حولي أستبطن عدم تعاطفي مع الشعب الفلسطيني…
حالي و كثير من الناشطين السودانيين من جيلي نشطاط غضباً و نحن نقراْ أخبار الإنتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان في كل العالم، تراني أتابع المواقع الإكترونية التي تنشر التقارير عن ما يحدث في العالم بقاراته الخمس، لكني لا أتذكر يوماًَ أنني تابعت ما يحدث بفلسطين، حتى أنني كنت أقوم بتغيير قنوات التلفزيون عندما تاتي الأخبار من فلسطين.
إلى أن قابلتها…
قرطيها قطعتي عملة فلسطينية، و اضحة المعالم و الصوت، تحمل في قلبها خريطة بلاد تمتد من البحر إلى النهر لا تقبل أن تنقص منها شبراً.

تعرف نفسها بأنها: أغصان البرغوثي.. من فلسطين المحتلة… بلادي تم إحتلالها من قِبل ما يعرف الأن ” بإسرائيل” في العام 1948 ، تراها تصر على العام 48 . مقاومة عنيده و شجاعة!
راقصة في إحدى الفرق الشعبية، فالرقص في حد ذاته فعل مقاومة، مقاومة محاولات محو تاريخ أمة.



عندما تحدثك عن الأزمة الفلسطينية، ترى بوضوح أن لها صوتاً مختلف، فهي تعي تماماً اثار الإحتلال الإسرائيلي و لكن في ذات الوقت تسطيع تحليل مشاكل السلطة الفلسطينية، تستطيع التعبير عن إحباطات جيلها من سياسيين تهافتو على السلطة حتى لو كان الثمن مبايعة المحتل من يستلب كل ما يملك شعبهم يومياً.
أغصان تحكي عن إحباطات جيل كامل ليس في فلسطين وحدها بل في دول كثيرة، إحباطات أشاركها فيها، ببساطة لأنه و رغم إختلاف الممثلين ظل السناريو متقارباً في كلا بلدينا، تختلف الفظائع، فلا إغتصاب لديهم و لا حبس لفترات تتجاوز الثلاثين عاماً لسياسيين لدينا.
تعرفت عبر أغصان على مجموعة من الشابات و الشباب في تلك المدينة ذات الطقس البارد (مناخياً و عاطفياً)، كان الإحتفال يومها بوداع إحدى الشابات الفلسطينيات التي تغادر المدينة، إقترح أحد الحضور حينها أن يعبر أي من الحاضرين عن مشاعره تجاه المُوَدّعْة: “نحن ننعي الناس عندما يموتون لكني أعتقد انهم يحتاجون لسماع رأينا فهم و هم أحياء” هكذا قد إقتراحه، بدى الأمر في غاية اللطافة في بادئ الامر يحمل الكثير من الفكاهة و القصص الطريفة؛ إلى أن بدأت إحدى الحاضرات بأخذ فرصتها في الحديث،  أنقل من حديثها الأتي :
( أتذكر أول مره التقينا فيها كانت قبل إسبوع من مغادرة كلتينا إلى فلسطين لأول مره في حياتنا، فأنا و أنتِ لم نرى “الوطن” قط، إتفقنا أن نلتقي في “الوطن”،……….. و أذكر أننا قد إلتقينا بعدها بأسابيع هنا في هذه المدينة حيث أن كلتينا منعتا من دخول “الوطن” و تم إرجاعنا، انا من مطار تل أبيب و أنتِ من الحدود مع الأردن)
كلتا الشابتين تحملان جوازات سفر دولة ذات علاقات راسخة مع إسرائيل، عملياً هن مواطنات تلك الدول لا فلسطين، بل إحداهن لم يحدث أن حصلت على أي “هوية” فلسطينية، منعتا لأن أسرتيهما من اللاجئين. نعم! فبطرد هذه الأسر من فلسطين تمنع من دخول هذا المدعو “الوطن” حتى و إن حصلوا على وثائق سفر و جنسيات أجنبية، يزيد الأمر تعقيداً إذا نشط أفراد الأسرة في حملات “مقاطعة إسرائل”
أبكتني تلك القصة الليل بطوله، أبكت هذه الشابة جميع الحضور.
تلك الليلة خلقت تحولاً كبيراً في حياتي، تحولاً جعلني أقرأ بنهم عن تلك البلد، أتابع الأخبار و أطالع المواقع الإلكترونية. أغصان و صديقاتها\أصدقائها خلقوا هذا التحول في حياتي.
أكتب هذه التدوينة لأعبر لها عن حبي و تقديري فقد رأيت فلسطين بعيونها و تعلمت الكثير منها و كم هو جميل أن تقابل شخصيات تغير طريقة تفكيرك، فهذا الأثر هو ما يخلفه الإنسان في ذاكرة من يقابلهم.

الثلاثاء، 12 مارس 2013

هنا المخيم

هنا المخيم ...يوم من ايام المخيم
ملحمة يومية روتينية ..واشتباك مستمر... لا وقت لاستراحة المقاتل الا في ظل مدرعة .....
المخيم موقع مصمم ضمن مخطط هندسي معقد ومتطور لا يمكن ان يفك رموزه .. كخارطة صماء بلا مفتاح ....
وهوا ايضا التقاء الموت بالاحلام ...وألم متواصل ..وحلم لا ينتهي نحو عودة