الاثنين، 5 أغسطس 2013

غسان كنفاني يحضر الى مخيم العزة/ حمدي فراج

غسان كنفاني  يحضر الى مخيم العزة

بقلم :حمدي فراج 

" إقرأوا غسان كنفاني مرتين ، مرة لتعرفوا أنكم موتى بلا قبور ، ومرة أخرى لتعرفوا أنكم تجهزون قبوركم بايديكم وأنتم لا تدرون ، قبور الثقافة بلا ثورة ، و الثورة بلا ثقافة" .

هذا ما قاله الأديب الكبير يوسف إدريس في مقدمته التي وضعها لأعمال غسان كنفاني تحت عنوان "حين تستشهد الكلمات أيضا" نسوقها اليوم في الذكرى الخامسة والثلاثين على إستشهاده والتي مرت علينا مرور الكرام .

كنا في الثامن من تموز من كل عام نذهب في كافة أرجاء الوطن المحتل لنحيي هذا اليوم كيوم وطني واضح ، محاضرات وندوات ومعارض كتب وصور ورسومات وعرض مسرحيات وأحيانا مظاهرات ومواجهات مع جنود الاحتلال ، وأصبحت حيازة كتب غسان تهمة يعاقب عليها القانون بالسجن والغرامة ومصادرة الكتب ، وسنة وراء سنة أصبح غسان كنفاني كإسم معروف أيضا لدى الأوساط الاحتلالية دون أن يعرفوا شيئا عنه ودون ان يعرفوا انه قد مات ، فإذا ما اقتحم الجنود منزلا ووجدوا كتابا يحمل إسمه أو قميصا يحمل رسمه فإنهم كما لو عثروا على شيء أمني محرز، وفي إحدى المرات صادروا جميع محتويات مكتبتي التي كانت تناهز ألفا كتاب لأنها ضمت عددا من كتبه ، وعلى تلك الخلفية تم اعتقالي معها ، و لدى الفحص الذي دام قرابة الشهر ، اكتشفوا انها تضم اثنا عشر كتابا ممنوعا ، وحوكمت بالسجن ستة أشهر ، منها ما قضيته في التحقيق ومدنه 34 يوما بالسجن الفعلي والباقي مع وقف التنفيذ ، وانتظرت ان يعيدوا لي مكتبتي بإستنثناء كتب غسان الممنوعة ، ففوجئت بأنهم قد أحرقوها كما أخبرتني المحامية الاسرائيلية ليئا تسيمل .

قبل يومين حضر غسان على غير موعد ، إذ ذهبنا لزيارة أحد الشبان الذين أطلق سراحهم بعد إنتهاء مدة محكوميته البالغة ثلاث سنوات في مخيم العزة ، لم يتغير الكثير على هذا المخيم الذي يتوسط مدينة بيت لحم ولا يفصله عن أرقى أحيائها بما في ذلك فنادقها السياحية سوى شارع واحد ، لم نكن لنعرف المنزل وسط الأزقة الصغيرة التي تقود الى أزقة أصغر ، فرمقنا أحد الأطفال الجالسين وقال محدثا نفسه بصوت مسموع : هؤلاء فتح ، ولم يتحمس كثيرا لمساعدتنا في التدليل على المنزل ، الا عندما رد عليه أحدنا بأننا لسنا فتح . كان يدرك أننا لسنا من حماس أصلا ، لا لحية ولا عمة أو دشداشة أو أي شيء من مظهر يشي بالهوية السياسية ، بعدها تشجع لاصطحابنا ، بل ودخل معنا الى المنزل ، وتذكرت أحدى قصص غسان القصيرة عن طفل إعتاد الأستاذ الذي كان يعمل في إحدى دول الخليج أن يمسح حذاءه عنده ، ولدى عودته بعد حول كامل ، بادره الولد : لم تغير حذاءك يا أستاذ منذ سنة . أراد غسان ان يقول لمن طاردوه فقتلوه ومعه إبنة أخته لميس ، أن الفلسطيني الذي لا ينسى الحذاء ، بل يتعرف على صاحبه من خلاله ، لا يمكن أن ينسى وطنا .