الأحد، 17 نوفمبر 2013


لكي لا ينسى المخيم .جَميلة.

كتب غسان العزة

جَميلة رحلت دون أن يتذكرها المخيم أو يذكرها أبناءه، تلك المرأة لا بل تلك الأيقونة التي نحتت نفسها من جذور التوت في جبال "خلدة"، أمضت حياتها ما بين جامع الشهداء وبرج باريس الدهيشة وقد كان ذلك فضائها اللامرئي والذي تحسسته راحاتها وروحها مع كل نفس إستنشقته هُناك.
هي ليست ليلى أو دلال أو حتى جميلة بوحيرد نفسها، ولكنها كانت الأجمل من ذلك كله، وذلك لكونها أصل الحكاية أو لا أدري إن كان هنالك تخاطُر ما بين "غسان كنفاني" وروحها ليرويها ويروي أرواح كل من سمعوا عنها، فمن تكن "أم سعد" ؟ أندري أن تكون هي ذاتها جميلة !. جَميلة المخيم وفي بدايات الاحتلال لَهت وأخاها "سعيد" الذي أصبح لاحقاً صانع "مكانس القش" بماء نبع في إحدى القرى فألمتهم عيناهُم، عُرضوا أنذاك على طبيب متخصص في ثَقب العيون فأعماهُم دوائه، كانت تقول لي "طفى قلبي الألماني يا ستي .. طلع الخواجا صهيوني يا ستي". لم أنسى يوماً ولن أنسى مجموعة الثقوب المنتظمة في خداها لقد قام بنقش "الشاقل" على وجنتاها بمثقب معدني وهي تظن أن ذلك هو العلاج، وكأنهُ يؤكد على بقاء احتلاله على وجوه الناس ولم يدرك ذاك المسخ الأحمق أن قلوب الناس لا تُحتَل.
لم تَلِد جميلة، عَنَسَت وهي تحتفظ بخرقتها التي أهدتها إياها إمها قبل اللجوء لِتُزَين بها جدائلها يوم يحين عُرسها، أبقتها جميلة محفوظة في صندوق خشبي عتيق وأبت رفعها راية للأستسلام أو التنازل. في كل مفاصل حياتها في العام 48 أثناء اللجوء أوصدت عليها قفلها، في العام 67 أضافت قفلاً أخر أكبر من الذي سبق، أبت رباطة جأشها الأستسلام ولم تَوهَن، إلى أن أتى عُرسها الذي طال إنتظاره في العام 1987 فَكَت جميلة الأقفال وجدلت شيبتها التي هجرها سواد الصِبا وتوشحت بخرقتها البيضاء وزغردت، في تلك اللحظة إنتفض المخيم وتعالت الأغنيات " طالعلك يا عدوي طالع" وعلقت الرايات بالحجارة على أسلاك الكهرباء وإبتسمت لعشاق هذه الأرض السماء.
إلى أن أتى العام 1993، في غرفتها المتأكلة التي تَعبق برائحة المريمية وإحتراق بابور الكاز، لم تكن غرفة الوكالة المتهالكة تلك إلا بوابة الصراع الذي واكبته جميلة، الراديو الخشبي المثبت على أحد جدران الغرفة شوش وأعطى موجاته الغير منتظمة كالعادة، نهضت عن فراشها وعدلته إلى أن هدأت الموجة وإستقرت، نطق المذيع عبر الراديو وقال "منظمة التحرير الفلسطينية إعترفت بقراري 242 و338". لٌجَت جميلة وذهبت إلى صندوقها مسرعة، خلعت خرقتها البيضاء وأقفلت عليها أقفالها كمن تتهرب من أن يسلبها أحد عذريتها الصادقة، من ثم عادت إلى الراديو وقفت عنده وتحسسته كمن يودع حبيباً بلا رجعة، حملته ووضعته تحت مطوى البطانيات، ورفعت جدلة الثوم المجفف عن كرسي القش الموجود في زاوية الغرفة وعلقتها في مكان الراديو، غَدَت أشعة الشمس النافذه من شقوق الباب الخشبي ذو اللون الأخضر ترسم حزوزاً متناسقة على وجهها، لم أكن أدري ماذا تعني تلك الحزوز المتشابكة المتقاربة المتباعدة إلا عندما عرفني "مظفر النواب" على جماليات الرمانة اليدوية. فما أوحته الشمس لي أن جميلة كانت تُريد أن تنفجر، سألتها ببراءة وقتها "ليش هيك عملتي يا ستي.. ليش ظبيتي الراديو؟" أجابتني "ما عاد إلو لزوم يا ستي" وأخرجت المفتاح الحديدي القديم ذو السلسلة الفضية المعقدة من الباب وأخفته في صدرها تحت ثنايا ثوبها المهترئ فنفَذ من ثقب المفتاح خيط أخر للشمس إستقر على ثوبها ينبئ بإكتمال معالم الرمانة اليدوية.
لم أكن مبالياً جداً بما يحصل من حولي في عالم جميلة لكثرة ما حصلت عليه منها من "زبيب وقطين" في وقتها، يُلهيني كما يُلهي كل من في جيلي من أبناء الحارة. كانت معطاءة تلك الجميلة، تُجفِف البندورة فوق سطح غرفتها وتخزنها للشتاء، لم تكن تحتفظ بالمخزون لها، كانت تحتفظ به لجاراتها وأبنائهن ولأنها أيضاً أقدر من يفهم طيات منع التجول البائسة.
تنادينا وتنادي باقي أبناء الحارة بمن فيهم أبناء "برج باريس" جيراننا، لتطهو لنا الكنافة على بابورها المشتعل، تُجلسنا على الحصيرة تحت "معرش العنب" أمام باب غرفتها تُبرِد لنا الكنافة في الهواء وتضعها لنا وتقول "كلو كلو بالهنى والشفى يا ستي.. الله يحفظكوا للإمياتكوا الصابرات يا ستي" وعندما كبرت فقط أدركت أن ما كنا نأكله تحت مسمى الكنافة كان "شعيرية وسكر" لقد كنتي جميلة بحق وستبقي جميلة يا جميلة.
جميلة لم تَلِد ولكن كنا كلنا أولادها، جميلة لم تُزَف ولكن زَفَت نفسها عروساً للأنتفاضة، جميلة لم تُرَمَل ولكن رَملت نفسها عندما تقاعس بعض أبنائها عن "خلدة" وذكرياتها.
ماتت جميلة وهُدمت غرفتها وقُطعت عنبتها وحُطم باب غرفتها وبيع بابورها للنخاس، ولكنها أخذت خرقتها إلى القبر معها لفت بها المفتاح، وكأن "ناجي العلي" ينبؤنا بأن قلبه هو قلب جميلة فأُسدلت على راحته الستارة وتوقف نبضه عن الرسم، ماتت جميلة وتراكم المخيم فوق المخيم ولم يعد يذكرها أحد هناك.
كانت تلك المرأة هي "جميلة حنين عليان" القاطنة حارة السلام في مخيم الدهيشة، لمجدها ومجد كل الثائرات نُغني ولهُن نحني القامات.

الاثنين، 5 أغسطس 2013

غسان كنفاني يحضر الى مخيم العزة/ حمدي فراج

غسان كنفاني  يحضر الى مخيم العزة

بقلم :حمدي فراج 

" إقرأوا غسان كنفاني مرتين ، مرة لتعرفوا أنكم موتى بلا قبور ، ومرة أخرى لتعرفوا أنكم تجهزون قبوركم بايديكم وأنتم لا تدرون ، قبور الثقافة بلا ثورة ، و الثورة بلا ثقافة" .

هذا ما قاله الأديب الكبير يوسف إدريس في مقدمته التي وضعها لأعمال غسان كنفاني تحت عنوان "حين تستشهد الكلمات أيضا" نسوقها اليوم في الذكرى الخامسة والثلاثين على إستشهاده والتي مرت علينا مرور الكرام .

كنا في الثامن من تموز من كل عام نذهب في كافة أرجاء الوطن المحتل لنحيي هذا اليوم كيوم وطني واضح ، محاضرات وندوات ومعارض كتب وصور ورسومات وعرض مسرحيات وأحيانا مظاهرات ومواجهات مع جنود الاحتلال ، وأصبحت حيازة كتب غسان تهمة يعاقب عليها القانون بالسجن والغرامة ومصادرة الكتب ، وسنة وراء سنة أصبح غسان كنفاني كإسم معروف أيضا لدى الأوساط الاحتلالية دون أن يعرفوا شيئا عنه ودون ان يعرفوا انه قد مات ، فإذا ما اقتحم الجنود منزلا ووجدوا كتابا يحمل إسمه أو قميصا يحمل رسمه فإنهم كما لو عثروا على شيء أمني محرز، وفي إحدى المرات صادروا جميع محتويات مكتبتي التي كانت تناهز ألفا كتاب لأنها ضمت عددا من كتبه ، وعلى تلك الخلفية تم اعتقالي معها ، و لدى الفحص الذي دام قرابة الشهر ، اكتشفوا انها تضم اثنا عشر كتابا ممنوعا ، وحوكمت بالسجن ستة أشهر ، منها ما قضيته في التحقيق ومدنه 34 يوما بالسجن الفعلي والباقي مع وقف التنفيذ ، وانتظرت ان يعيدوا لي مكتبتي بإستنثناء كتب غسان الممنوعة ، ففوجئت بأنهم قد أحرقوها كما أخبرتني المحامية الاسرائيلية ليئا تسيمل .

قبل يومين حضر غسان على غير موعد ، إذ ذهبنا لزيارة أحد الشبان الذين أطلق سراحهم بعد إنتهاء مدة محكوميته البالغة ثلاث سنوات في مخيم العزة ، لم يتغير الكثير على هذا المخيم الذي يتوسط مدينة بيت لحم ولا يفصله عن أرقى أحيائها بما في ذلك فنادقها السياحية سوى شارع واحد ، لم نكن لنعرف المنزل وسط الأزقة الصغيرة التي تقود الى أزقة أصغر ، فرمقنا أحد الأطفال الجالسين وقال محدثا نفسه بصوت مسموع : هؤلاء فتح ، ولم يتحمس كثيرا لمساعدتنا في التدليل على المنزل ، الا عندما رد عليه أحدنا بأننا لسنا فتح . كان يدرك أننا لسنا من حماس أصلا ، لا لحية ولا عمة أو دشداشة أو أي شيء من مظهر يشي بالهوية السياسية ، بعدها تشجع لاصطحابنا ، بل ودخل معنا الى المنزل ، وتذكرت أحدى قصص غسان القصيرة عن طفل إعتاد الأستاذ الذي كان يعمل في إحدى دول الخليج أن يمسح حذاءه عنده ، ولدى عودته بعد حول كامل ، بادره الولد : لم تغير حذاءك يا أستاذ منذ سنة . أراد غسان ان يقول لمن طاردوه فقتلوه ومعه إبنة أخته لميس ، أن الفلسطيني الذي لا ينسى الحذاء ، بل يتعرف على صاحبه من خلاله ، لا يمكن أن ينسى وطنا .

الأحد، 19 مايو 2013


هنا المخيم `.......



المخيم ذلك المجهول الذي مشى إليه الفلسطيني بقدميّه مرغما، إبّان جرح النكبة سنة 48، بعدما كان ملّاكا وصاحب عزوة ومال، هذا المخيم تحول في فترة وجيزة إلى صورة وطن ومنفى، وبداية انطلاقة لنضاله طيلة العقود الماضية ضد العدو الصهيوني، ومسرحا لأحلامه المسروقة ضمن بقعة أرض صغيرة لا تتجاوز الكيلومترات.



للمخيم في الذاكرة الفلسطينية دلالات تحمل الكثير من الألم والتشرد والنزوح، هذه الحالة التي عاشها الفلسطيني في بداية هجرته والتي استمرت معه منذ أيام الخيم التي عاشها في بيوت الصفيح، فكان حرها يأكل من جسده صيفا ويقرصه بردها شتاء، إلى المخيم في شكله الحالي وألوف القصص المأساوية التي ترافق نموه وتطوره.
أخذ المخيم عند معين بسيسو شكلا من أشكال الحزن والغربة التي تقتله بصمتها، فالبقية الباقية من شعبه ومن بلده تمتزج ما بين البكاء والجنون، وأكياس" الخيش" التي يسكن فيها أهله وجيرانه، فيعلو صوت الشاعر مدويا بوجه من جاء يسأل عن أطفال شعبه وهو السبب في نكبتهم. كما يظهر في هذا المقطع الشعري صورة الخيام بشكلها الأول" الخيش" والتي كانت السكن الأول للاجئ فيقف باكيا على أطلال هذه الخيمة، حاله حال الشعب الباكي فيها.



تلك البقية من شعبي ومن بلـــدي ما بيــن باك ومجنـون ومرتعـد
تلك البقية من شعبي فذاك أبــــي وتلك أمي وما في الخيش من أحـد
إن جئت تسأل عن أطفالها صرخـت وقهقه السيل لم تحبل ولم تـلــد
يا من نصبت لهم سود الخيام علـى صفر الرمال لقد غاصت إلى الأبـد
ألست جلادهم فاربط غريقـــهـم واسحبه خلفك بالأمراس والــزرد
واترك لأطفاله آثار جــثــتـــه دما توهــج فوق الرمل والـزبـد

الخميس، 16 مايو 2013


يوميات السجون

السجون الاسرائيلية 

يوميات السجون (1)
الساعة الخامسة والنصف صباحا قسم 10 في" ايشل" سجن بئر السبع الصحراوي,هدوء وسكون وصمت قاتل يسود القسم المكون من 18 غرفة متقابلات وفيها 120 اسير وفي هذه اللحظات من الصباح بالذات لا يسمع سوى صوت بعض الانين من زوايا الغرف تعلو حينا وتختفي حينا اخر ليكسر صوت الانين صوت اقدام الجنود يدخلون القسم وقرع مفاتيح السجان وهي تنبه الاسرى بان مفتاح الحرية اصبح معلق على مؤخرة جندي قادم من اوكرانيا وليس كما كنا نتعلم ان مفاتيح حرية الاسرى معلقة على اخمص بندقية فدائي في ازقة المخيم,



يوميات السجون ((2)
الساعة السادسة صباحا يبدأ الطرق على ابواب الغرف وصراخ الجنود بلكنة عبرية روسية عربية متشابكة وهم يقولون "عدد..عدد
هذه الكلمة اصبحت اشد قوة من صفارات الانذار ,فينتفض جسد الاسير وينهض من نومه مسرعا ولا اراديا ويقف لينتظر دخول الجنود ليقوموا بالعدد,وليس المهم هو العدد بل الاهمية لدى" الجنود النيندرتاليين" اخضاع الاسرى لتعليمات مصلجة السجون  باعتبارهم سجناء امنيين لا حقوق لهم و ازعاج الاسرى وقطع احلامهم فهم  يعلمون اننا داخل الغرف نعيش على مقولة "أذا رأيت أسيرا نائما فلا تبهه ,,,لعله يحلم بحريته,,,أما اذا اردت ان تنبهه فحدثه عن الحرية .



يوميات السجون (3)
نعود الى النوم لنكمل حلم الحرية ثم ننهض من النوم لنمارس معركة البقاء, ونعود الى النوم ....فقد احترفنا هذه اللعبة . فدائما انت داخل السجن في زمن الاشتباك تعيش بين رصاصتين ...واذا شعرت في الامان لحظة واحدة فاعلم انك على خطأ ..
داخل السجن هناك عالم وحياة مختلفة وهناك ممازسة للنضال من نوع اخر ويجب ان تنام وانت متيقظ
خوفا من ان يطرق الباب بدل السجان فدائيا بكوفية يريد ان يقتلع الباب للحرية


يوميات السجون( 4)
ما أن نسرق لحظات قليلة من الهدوء / حتى يعود الطرق على الأبواب......
 أنه اقتحام تفتيشي جديد لجنود القوات الخاصة  الذي سرعان ما يتحول إلى " قمعة " جديدة.  
 ثواني قليلة أمامنا : كل منا له مهمته المحددة سلفاً :  أحدهم سيكون الساحر الذي سيخفي كل  الأشياء  الممنوع  اقتنائها ، البلوزة  الزرقاء ، صورة  الأخت المعلقة،  وقطعه السلك والمسمار . وآخرون  لتعطيل الهجوم ثواني معدودة تمكن أبو أحمد المريض من أخذ مكانه.  
 انا كمبتدأ في السجون كانت مهمتي الحفاظ على المسمار"متعدد الاستخدامات"، هذا الرفيق القديم الذي وصل عندنا، وسكن معنا وبيننا، وأصبح  عنصراً حيوياً في حياتنا اليومية.
مهند العزة


الأحد، 31 مارس 2013


فلسطين التي رأيتها بعيون أغصان البرغوثي


لدي إعتقاد جازم ( لا يستند على أي حقيقة علمية) أن درجة تركيز الإنسان تكون أعلى عند الأحداث غير المرغوبة بالنسبة له و ربما هو أمر يخصني وحدي؛ أدلل لنفسي بذلك عبر الذكريات التي أحملها من طفولتي فأنا لا أستطيع أن انسى من كان يمارس الجلد من المعلمين، أتذكر جيداً طابور الصباح الذي لم يرق لي يوماً، أتذكر جيداً أناشيد الحرب المقيتة التي كنا مجبورين على التغني بها كل صباح، أذكرالصف و الإنتباه.
 أذكر فيما أذكر من طفولتي ايضاً تلك القصيدة:
“انا من يافا انا من صفد… سرقوا وطني…. وطني المحتل فلسطين.. “

 لا أنسى أنني تعرضت للزجر عندما سألت الأستاذ: ( لكن يا أستاذ انا و طني السودان ما فلسطين!) عندها هاج و ماج الرجل الذي إعتبر إعتراضي “قلة أدب” و عدم إحترام للحصة؛ حفظت القصيدة عن ظهر قلب متبعة منهاج (مجبر أخاك لا بطل).
أذكر من أناشيد الصباح على سبيل المثال:
“في حماك ربنا.. في سبيل ديننا.. لا يروعنا الفناء… فتولى نصرنا”
ناهيك عما كانت ابواق المذياع و التلفزيون تعج به من اناشيد و هتافات مثل:
امريكيا روسيا قد دنا عذابها”
“خيبر خيبر يا يهود جيش محمد بدأ يعود”
فمثلاً بما ان الهتاف كان له علاقة بخيبر و اليهود فساحة المعركة في خيالي أنذاك كانت صحراء قاصية محاطة بأشجار النخيل، و جيش محمد ( الذي بدأ يعود) و اليهود يتعاركون مستخدمين السيوف و الخناجر و الدماء تكسو تلك الاراضي.
ببساطة كانت ذاكرة طفولتي ( وطفولة من في جيلي) أقل ما يقال عنها أنها “دموية” فمحمول الأغاني و الهتفات التي يتعرض لها الطفل من أمثالنا في المدارس، الشوارع و حتى المنازل معباً بالكراهية، الدماء، و كل ما للحروب من محمول.
من ضمن الحملات الفاشلة للحكومة السودانية ( مع” الجهاد” في الجنوب، الحرب ضد غير المسلمين، غير “العرب” ) فشلت أيضاً حملات الحكومة السودانية للتضامن مع الشعب الفلسطيني فقد تم إفراغ هذا التضامن من معناه و مضمونه، لا أنكر أنني طفلة فجعت و بكيت عندما شاهدت كيف قتل محمد الدره
ولكن…. بكيت أكثر عندما علمت أن ببلادي مئات الألاف من محمد الدره الذين يموتون بصمت. تتضامن حكومتنا مع محمد الدرة و تقتل الألاف من محمد الدره هنا في بلادنا!
فقدت معاني التضامن ببساطة لأن البوق الرئيسي لهذا التضامن في بلادي كانت\وما زالت حكومة تقتل الملايين من مواطنيها، تغتصب مئات الألاف من نسائها، تشرد ملايين الأسر، تحرق القرى و ترمي معارضيها في بيوت الأشباح عندما لا تقتلهم. ببساطة كنت أخجل من أن أتضامن مع ذات الشعب الذي يتضامن معه قاتل مثل البشير و انا أراه يغدق على حركة حماس بملايين الدولارات لأنها (حركة عربة إسلامية)  و السودانيين يموتون بسوء التغذية هنا و هناك. سبب أخر أنني كرهت العرب و العروبة التي بإسمها تحشد الجبهة الإسلامية\ المؤتمر الوطني الحاكم الشباب لقتل جيرانهم و أهلهم بدعاوى النقاء العرقي الساذجة. 
كبرت و ما زلت ككثيرين من حولي أستبطن عدم تعاطفي مع الشعب الفلسطيني…
حالي و كثير من الناشطين السودانيين من جيلي نشطاط غضباً و نحن نقراْ أخبار الإنتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان في كل العالم، تراني أتابع المواقع الإكترونية التي تنشر التقارير عن ما يحدث في العالم بقاراته الخمس، لكني لا أتذكر يوماًَ أنني تابعت ما يحدث بفلسطين، حتى أنني كنت أقوم بتغيير قنوات التلفزيون عندما تاتي الأخبار من فلسطين.
إلى أن قابلتها…
قرطيها قطعتي عملة فلسطينية، و اضحة المعالم و الصوت، تحمل في قلبها خريطة بلاد تمتد من البحر إلى النهر لا تقبل أن تنقص منها شبراً.

تعرف نفسها بأنها: أغصان البرغوثي.. من فلسطين المحتلة… بلادي تم إحتلالها من قِبل ما يعرف الأن ” بإسرائيل” في العام 1948 ، تراها تصر على العام 48 . مقاومة عنيده و شجاعة!
راقصة في إحدى الفرق الشعبية، فالرقص في حد ذاته فعل مقاومة، مقاومة محاولات محو تاريخ أمة.



عندما تحدثك عن الأزمة الفلسطينية، ترى بوضوح أن لها صوتاً مختلف، فهي تعي تماماً اثار الإحتلال الإسرائيلي و لكن في ذات الوقت تسطيع تحليل مشاكل السلطة الفلسطينية، تستطيع التعبير عن إحباطات جيلها من سياسيين تهافتو على السلطة حتى لو كان الثمن مبايعة المحتل من يستلب كل ما يملك شعبهم يومياً.
أغصان تحكي عن إحباطات جيل كامل ليس في فلسطين وحدها بل في دول كثيرة، إحباطات أشاركها فيها، ببساطة لأنه و رغم إختلاف الممثلين ظل السناريو متقارباً في كلا بلدينا، تختلف الفظائع، فلا إغتصاب لديهم و لا حبس لفترات تتجاوز الثلاثين عاماً لسياسيين لدينا.
تعرفت عبر أغصان على مجموعة من الشابات و الشباب في تلك المدينة ذات الطقس البارد (مناخياً و عاطفياً)، كان الإحتفال يومها بوداع إحدى الشابات الفلسطينيات التي تغادر المدينة، إقترح أحد الحضور حينها أن يعبر أي من الحاضرين عن مشاعره تجاه المُوَدّعْة: “نحن ننعي الناس عندما يموتون لكني أعتقد انهم يحتاجون لسماع رأينا فهم و هم أحياء” هكذا قد إقتراحه، بدى الأمر في غاية اللطافة في بادئ الامر يحمل الكثير من الفكاهة و القصص الطريفة؛ إلى أن بدأت إحدى الحاضرات بأخذ فرصتها في الحديث،  أنقل من حديثها الأتي :
( أتذكر أول مره التقينا فيها كانت قبل إسبوع من مغادرة كلتينا إلى فلسطين لأول مره في حياتنا، فأنا و أنتِ لم نرى “الوطن” قط، إتفقنا أن نلتقي في “الوطن”،……….. و أذكر أننا قد إلتقينا بعدها بأسابيع هنا في هذه المدينة حيث أن كلتينا منعتا من دخول “الوطن” و تم إرجاعنا، انا من مطار تل أبيب و أنتِ من الحدود مع الأردن)
كلتا الشابتين تحملان جوازات سفر دولة ذات علاقات راسخة مع إسرائيل، عملياً هن مواطنات تلك الدول لا فلسطين، بل إحداهن لم يحدث أن حصلت على أي “هوية” فلسطينية، منعتا لأن أسرتيهما من اللاجئين. نعم! فبطرد هذه الأسر من فلسطين تمنع من دخول هذا المدعو “الوطن” حتى و إن حصلوا على وثائق سفر و جنسيات أجنبية، يزيد الأمر تعقيداً إذا نشط أفراد الأسرة في حملات “مقاطعة إسرائل”
أبكتني تلك القصة الليل بطوله، أبكت هذه الشابة جميع الحضور.
تلك الليلة خلقت تحولاً كبيراً في حياتي، تحولاً جعلني أقرأ بنهم عن تلك البلد، أتابع الأخبار و أطالع المواقع الإلكترونية. أغصان و صديقاتها\أصدقائها خلقوا هذا التحول في حياتي.
أكتب هذه التدوينة لأعبر لها عن حبي و تقديري فقد رأيت فلسطين بعيونها و تعلمت الكثير منها و كم هو جميل أن تقابل شخصيات تغير طريقة تفكيرك، فهذا الأثر هو ما يخلفه الإنسان في ذاكرة من يقابلهم.

الثلاثاء، 12 مارس 2013

هنا المخيم

هنا المخيم ...يوم من ايام المخيم
ملحمة يومية روتينية ..واشتباك مستمر... لا وقت لاستراحة المقاتل الا في ظل مدرعة .....
المخيم موقع مصمم ضمن مخطط هندسي معقد ومتطور لا يمكن ان يفك رموزه .. كخارطة صماء بلا مفتاح ....
وهوا ايضا التقاء الموت بالاحلام ...وألم متواصل ..وحلم لا ينتهي نحو عودة 

الثلاثاء، 26 فبراير 2013

عبيد القرن الحادي والعشرين




عبيد القرن الحادي والعشرين 

بقلم: مهند العزة
وأرعد بصوتك يا عبيد الأرض هبّوا للقتال 
يا أيها الموتى أفيقوا إنّ عهد الموت زال 
نحن الآن في القرن الحادي والعشرين فهل يعقل أن يكون هناك استعباد؟؟؟ وعبيد؟؟ وعمل ٌ بالسخرة (أي مقابل الطعام)؟؟؟ 
نعم، فهذا مصيرُ أكثر من 300 شخص قد هربوا من دولهم نتيجة الفقر والظلم والاضطهاد والبطالة، 300 شخص تجمعوا في سجن النقب (أنصار3) من دول مختلفة وهي: إثيوبيا، نيجيريا، اريتريا، والجزء الأكبر من السودان وبالأخص من دارفور، وذلك طلبا ً منهم لإيجاد حياة أفضل ونتيجة الوضع البائس في جنوب أفريقيا. 

حيث وجدوا أنفسهم يعبرون الحدود نحو مصر لقربها من السودان جغرافيا ً، وذلك طلبا ً للحياة الكريمة، وعندما قوبلوا بإهمال ونبذ من قبل الجمهورية المصرية، حيث عاشوا هناك في الشوارع والحدائق العامة وبدون مأوى، لم تبق من خيارات أمامهم سوى التوجه إلى إسرائيل عن طريق صحراء سيناء، حيث قدموا على شكل مجموعات صغيرة ودخلوا بطرق لسرية إلى إسرائيل، وقد اختلفت طرق وصولهم، فبعضهم قد دفع أموالا ً مقابل نقله ومبالغ تصل إلى 5000 دولار فما فوق وذلك بعقد اتفاق مع مهرب لإدخالهم ونقلهم عبر الصحراء، وقد أقنع المهربون البعض منهم أنه سوف يوصلهم إلى أمريكا للعمل هناك والبعض تم إقناعهم بأنه سوف يصل إلى مكتب لوكالة الغوث وفيها يتم طلب اللجوء السياسي، فكانوا يعبرون الصحراء في رحلة الموت. 

ثم يتوجهون نحو ما يرى من الأضواء، وبما أن الصحراء هي من الجانب المسيطر عليه (حرس الحدود الإسرائيلي) وهي منطقة عسكرية تستغل للتجارب والعمل العسكري، فيتم الإمساك بهم بسهولة، ومن يحالفه الحظ يكمل طريقه ليجد نفسه على أبواب سجن النقب ليتم احتجازهم داخل السجن، حيث عاشوا في البداية بين أقسام الأسرى الأمنيين ومن ثم تم إدخالهم إلى الأقسام بين الأسرى الفلسطينيين الذين يبلغ عددهم 2200 أسير داخل النقب، وبعد أن زاد عددهم ليصل إلى أكثر من 300، تم سحبهم من قبل إدارة السجن ووضعهم في أقسام لوحدهم، ويتم استغلالهم في العمل والتنظيفات وغسيل السيارات التابعة لضباط الإدارة وتنظيف المكاتب والشوارع ما بين أقسام السجن وتنظيف المطابخ ونقل النينجا (حاويات النفايات) من الأقسام ومن ثم العمل في البناء والسياج وكل ذلك مقابل قوت يومهم والدخان فقط، ويعيشون داخل خيم بأوضاع سيئة لا تصلح للحياة البشرية، حيث كان الفلسطينيون يرسلون لهم الدخان والملابس في حال توفر ذلك، وكانوا يأكلون من مطبخ الأسرى الفلسطينيين إلى أن أخذت إدارة السجن المطبخ وأصبح في أيدي المدنيين، وقد تطور الوضع لديهم ليتم توزيعهم على السجون الإسرائيلية للعمل في النظافة والخدمات مثل سجن الرملة ونفحة والنقب والسبع وأصبحوا يأخذون معاشا يتراوح مابين 200 إلى 300 شيكل شهريا ً،ونستطيع أن نقسمهم إلى ثلاثة أقسام : 


أولا: جزء منهم عربي ومن المثقفين وحملة الشهادات يطالبون بإخراجهم من السجون وإعادتهم إلى بلادهم، ويرفضون البقاء هنا، ويطالبون بمحاكمتهم إذا لزم الأمر .
ثانيا ً: جزء أصبح يعمل في \" الكيبوتسات\" خارج السجن وهؤلاء يتقاضون أجورا ً شهرية تتراوح ما بين 600 شيكل و 1000 شيكل ويريدون الاستمرار في العمل داخل \"الكيبوتسات \".
ثالثا ً: جزء يريدون أن يصبحوا يهود \"وهم الأخطر\" حيث يتم تعليمهم وتربيتهم عن طريق عملية غسيل دماغ، يزورهم حاخامات صهاينة لإقناعهم بالديانة اليهودية والفكر الصهيوني العنصري بالإضافة لتعليمهم اللغة العبرية، ويتم إخراجهم زيارات خارج السجن، حيث ذهبوا في آخر زيارة لهم إلى موقع يسمى \"الكارثة والبطولة\" في القدس وذلك جزء من عملية إقناعهم باليهودية وتشريبهم الأفكار العنصرية المتطرفة، وإقناعهم بحق الصهاينة بأرض فلسطين . 


حتى الآن لا يوجد أي تحرك من قبل دولهم للمطالبة بهم، وقلة من يعرفون عن هؤلاء الناس، مع العلم أن سجن النقب (أنصار3) يحوي ما يقارب أل 2200 أسير فلسطيني في وسط الصحراء وفي ظروف سيئة وقاسية وبين الأسرى الفلسطينيين يوجد بعض الأسرى المصريين الذين يتم زيارتهم من قبل ممثل السفارة المصرية وجزء من المصريين الذين يعيشون في سيناء ويعملون في التهريب، إلا أن هؤلاء الأسرى يعيشون مع الفلسطينيين بعكس الأفارقة والسودانيون، وحتى هذه اللحظة فنحن داخل السجن نرى السودانيون والأفارقة يأتون لينظفوا وينقلوا النفايات من الأقسام ويمنع منعا ً باتا ً الحديث معهم بأي شكل من الأشكال، وهم يعملون من الصباح حتى المساء تحت أشعة الشمس الحارقة ودرجات الحرارة العالية جدا ً، وتحت إشارة بضغط جنود الاحتلال كالعبيد مقابل الطعام فقط .
فماذا ينتظر هؤلاء؟؟ هل سيأتي سبارتاكوس لينقلهم ويحررهم؟؟ أم ما زلنا بحاجة لإسقاط روما مرة أخرى محررة العبيد كما حدث في القرن الخامس الميلادي؟ ... 

*مهند عثمان العزة
سجن النقب الصحراوي ) أنصار3)