الثلاثاء، 26 فبراير 2013

عبيد القرن الحادي والعشرين




عبيد القرن الحادي والعشرين 

بقلم: مهند العزة
وأرعد بصوتك يا عبيد الأرض هبّوا للقتال 
يا أيها الموتى أفيقوا إنّ عهد الموت زال 
نحن الآن في القرن الحادي والعشرين فهل يعقل أن يكون هناك استعباد؟؟؟ وعبيد؟؟ وعمل ٌ بالسخرة (أي مقابل الطعام)؟؟؟ 
نعم، فهذا مصيرُ أكثر من 300 شخص قد هربوا من دولهم نتيجة الفقر والظلم والاضطهاد والبطالة، 300 شخص تجمعوا في سجن النقب (أنصار3) من دول مختلفة وهي: إثيوبيا، نيجيريا، اريتريا، والجزء الأكبر من السودان وبالأخص من دارفور، وذلك طلبا ً منهم لإيجاد حياة أفضل ونتيجة الوضع البائس في جنوب أفريقيا. 

حيث وجدوا أنفسهم يعبرون الحدود نحو مصر لقربها من السودان جغرافيا ً، وذلك طلبا ً للحياة الكريمة، وعندما قوبلوا بإهمال ونبذ من قبل الجمهورية المصرية، حيث عاشوا هناك في الشوارع والحدائق العامة وبدون مأوى، لم تبق من خيارات أمامهم سوى التوجه إلى إسرائيل عن طريق صحراء سيناء، حيث قدموا على شكل مجموعات صغيرة ودخلوا بطرق لسرية إلى إسرائيل، وقد اختلفت طرق وصولهم، فبعضهم قد دفع أموالا ً مقابل نقله ومبالغ تصل إلى 5000 دولار فما فوق وذلك بعقد اتفاق مع مهرب لإدخالهم ونقلهم عبر الصحراء، وقد أقنع المهربون البعض منهم أنه سوف يوصلهم إلى أمريكا للعمل هناك والبعض تم إقناعهم بأنه سوف يصل إلى مكتب لوكالة الغوث وفيها يتم طلب اللجوء السياسي، فكانوا يعبرون الصحراء في رحلة الموت. 

ثم يتوجهون نحو ما يرى من الأضواء، وبما أن الصحراء هي من الجانب المسيطر عليه (حرس الحدود الإسرائيلي) وهي منطقة عسكرية تستغل للتجارب والعمل العسكري، فيتم الإمساك بهم بسهولة، ومن يحالفه الحظ يكمل طريقه ليجد نفسه على أبواب سجن النقب ليتم احتجازهم داخل السجن، حيث عاشوا في البداية بين أقسام الأسرى الأمنيين ومن ثم تم إدخالهم إلى الأقسام بين الأسرى الفلسطينيين الذين يبلغ عددهم 2200 أسير داخل النقب، وبعد أن زاد عددهم ليصل إلى أكثر من 300، تم سحبهم من قبل إدارة السجن ووضعهم في أقسام لوحدهم، ويتم استغلالهم في العمل والتنظيفات وغسيل السيارات التابعة لضباط الإدارة وتنظيف المكاتب والشوارع ما بين أقسام السجن وتنظيف المطابخ ونقل النينجا (حاويات النفايات) من الأقسام ومن ثم العمل في البناء والسياج وكل ذلك مقابل قوت يومهم والدخان فقط، ويعيشون داخل خيم بأوضاع سيئة لا تصلح للحياة البشرية، حيث كان الفلسطينيون يرسلون لهم الدخان والملابس في حال توفر ذلك، وكانوا يأكلون من مطبخ الأسرى الفلسطينيين إلى أن أخذت إدارة السجن المطبخ وأصبح في أيدي المدنيين، وقد تطور الوضع لديهم ليتم توزيعهم على السجون الإسرائيلية للعمل في النظافة والخدمات مثل سجن الرملة ونفحة والنقب والسبع وأصبحوا يأخذون معاشا يتراوح مابين 200 إلى 300 شيكل شهريا ً،ونستطيع أن نقسمهم إلى ثلاثة أقسام : 


أولا: جزء منهم عربي ومن المثقفين وحملة الشهادات يطالبون بإخراجهم من السجون وإعادتهم إلى بلادهم، ويرفضون البقاء هنا، ويطالبون بمحاكمتهم إذا لزم الأمر .
ثانيا ً: جزء أصبح يعمل في \" الكيبوتسات\" خارج السجن وهؤلاء يتقاضون أجورا ً شهرية تتراوح ما بين 600 شيكل و 1000 شيكل ويريدون الاستمرار في العمل داخل \"الكيبوتسات \".
ثالثا ً: جزء يريدون أن يصبحوا يهود \"وهم الأخطر\" حيث يتم تعليمهم وتربيتهم عن طريق عملية غسيل دماغ، يزورهم حاخامات صهاينة لإقناعهم بالديانة اليهودية والفكر الصهيوني العنصري بالإضافة لتعليمهم اللغة العبرية، ويتم إخراجهم زيارات خارج السجن، حيث ذهبوا في آخر زيارة لهم إلى موقع يسمى \"الكارثة والبطولة\" في القدس وذلك جزء من عملية إقناعهم باليهودية وتشريبهم الأفكار العنصرية المتطرفة، وإقناعهم بحق الصهاينة بأرض فلسطين . 


حتى الآن لا يوجد أي تحرك من قبل دولهم للمطالبة بهم، وقلة من يعرفون عن هؤلاء الناس، مع العلم أن سجن النقب (أنصار3) يحوي ما يقارب أل 2200 أسير فلسطيني في وسط الصحراء وفي ظروف سيئة وقاسية وبين الأسرى الفلسطينيين يوجد بعض الأسرى المصريين الذين يتم زيارتهم من قبل ممثل السفارة المصرية وجزء من المصريين الذين يعيشون في سيناء ويعملون في التهريب، إلا أن هؤلاء الأسرى يعيشون مع الفلسطينيين بعكس الأفارقة والسودانيون، وحتى هذه اللحظة فنحن داخل السجن نرى السودانيون والأفارقة يأتون لينظفوا وينقلوا النفايات من الأقسام ويمنع منعا ً باتا ً الحديث معهم بأي شكل من الأشكال، وهم يعملون من الصباح حتى المساء تحت أشعة الشمس الحارقة ودرجات الحرارة العالية جدا ً، وتحت إشارة بضغط جنود الاحتلال كالعبيد مقابل الطعام فقط .
فماذا ينتظر هؤلاء؟؟ هل سيأتي سبارتاكوس لينقلهم ويحررهم؟؟ أم ما زلنا بحاجة لإسقاط روما مرة أخرى محررة العبيد كما حدث في القرن الخامس الميلادي؟ ... 

*مهند عثمان العزة
سجن النقب الصحراوي ) أنصار3)

الخميس، 6 ديسمبر 2012

امير مخول:في ذكرى فرانز فانون



في ذكرى فرانز فانون وفي يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني
نَستَلهِم من "معذبو الأرض" لإنهاء عذاب فلسطين
أمير مخول*
إحدى السمات البارزة والى حد ما، المهيمنة لدى النخب السياسية والاكاديمية، في استعراض الخطاب الفلسطيني، هي الاكثار من الاستعارة بتجارب جنوب افريقيا وايرلندا، وفيما يخص فلسطيني الـ 48 تضاف اليهما تجربة مقاطعة كويبك في كندا في اشارة الى حقوق "الاقليات".
ومن دون شك، فان التجارب المذكورة هي محورية في حراك الشعوب والحراك العالمي المساند. كما ان تجربة اسقاط نظام الفصل العنصري (الابارتهايد) في جنوب افريقيا تعتبر من ابرز التجارب في العقود الاخيرة ومن اكثرها الهاما للشعوب وبالذات للشعب الفلسطيني. ويعزز هذا المنحى  في كون نظام الابارتهايد كان الحليف الاقرب لاسرائيل.
ان هذه المقارنة هي بحد ذاتها مهمة، وهي مفيدة بقدر ما يحسن الفلسطينيون استخدامها واستخلاص العبر منها في الكفاح الفلسطيني لكن دون التمترس بها والتشبه الى نموذج واحد.
وفي هذه المقالة لا اسعى للخوض في صلب التجارب المذكورة، وانما السعي لادراك ما يقف وراء مسلك النخب الفلسطينية في هذا الصدد مستلهما من فرانس فانون.
هناك ميزة اخرى تتقاطع مع السابقتين وهي انه كلما تعاملنا مع القضية الفلسطينية بشكل مجزأ ومختزل، تزداد الحاجة للتبرير "المنطقي" للاستعانة بالضرورة بتجارب أخرى في تشخيص الحالة الفلسطينية. والميزة المكملة هنا، هي انه كلما تراجع النضال الفلسطيني التحرري الشامل او تجزأ أو تشتت، فانه يتسارع التفتيش عن نماذج عالمية لشعوب اخرى، ويستحوذ هذا المنحى على الجهود، اكثر نسبيا مما يبذل من جهود على استنهاض المشروع الكفاحي التحرري في فلسطين. وان تجارب الشعوب مفيدة بالأساس اذا كان الشعب يناضل ولديه مشروع نضالي هادف يوظف تجربة شعوب اخرى فيه.
في موازاة المناحي المذكورة هناك استثناء شبه كامل وتجاهل للتجارب العربية وتجارب العالم الثالث والمقصود ثورات التحرر الوطني والقومي من الاستعمار في اواسط القرن العشرين الماضي. وما نشهده اليوم ان اهمال هذه النماذج من كفاح الشعوب، يأتي في سياق اهمال وعملية "فك ارتباط" ذهني عند النخب الفلسطينية المذكورة بين النضال الفلسطيني والبعد العربي الاقليمي التحرري والتحريري. وباعتقادي ايضا، ان من يقف وراء هذه الاستعارة والاكثار من "تعلم التجارب" ووراء الخطاب الفلسطيني المشوش ذاتيا والمشوش للاخرين، هو اذعان نخب فلسطينية مهيمنة الى توازن القوى المحلي والعالمي وانعكاساته الحالية في المنطقة كأمر ثابت وليس متغيرا، واعتماد هذا الاذعان كموقف سياسي يكاد يكون مبدئيا وكما لو كان "مشروعا وطنيا". اما مضمونه فهو  عمليا التنازل عن معركة التحرير والتحرر الوطني والقومي لصالح مشروع "دولة" على حساب جوهر الحق الفلسطيني. فلا حديث عن السعي لتغيير توازن القوى بل إخضاع الحق الفلسطيني له.
ان احدى التجليات الرئيسية لهذه الحالة هي التنازل عن التعامل مع القضية الفلسطينية كمسألة ومشروع تحرر وطني من الاستعمار، وقرار النخب المذكورة الامتناع عن تعريف اسرائيل-  كما جوهرها  اي ككيان استعماري استيطاني احتلالي عنصري قائم على التطهير العرقي والنهب، وعمليا هذه هي مجتمعة تشكل المشروع الصهيوني في فلسطين  في حين تستعيض النخب عن ذلك باختزال مفهوم الاحتلال في نتائج عدوان 1967 والتغاضي عن المشروع الاحتلالي الاستعماري الاساسي في فلسطين والذي بلغ ذروته في احتلال 1948 والتطهير العرقي ونكبة الشعب الفلسطيني.
حسب المنطق التجزيئي فان التخلص من احتلال 1967 هو في نهاية المطاف بانسحاب الاحتلال الى حدود الرابع من حزيران ومعه المشروع الاستيطاني. والمقصود هنا انه حتى لو تحقق هذا التحول الهائل، فلن يمس بجوهر اسرائيل الاستعماري الاستيطاني العنصري. كما ان مشروع مكافحة التمييز العنصري الممؤسس في اسرائيل تجاه المواطنين العرب الفلسطينيين، ينعكس في "أحسن الأحوال" بالغائه لكن ضمن النظام القائم. اما التخلص من الاستعمار فهو بتصفية الاستعمار والتحرر الوطني وتحرير الشعب.
هكذا فبالنسبة الى الفلسطينيين فان من يريد ان يلعب او يحصر دوره في حدود الجزء يصبح الجزء كما لوكان هو الكل بالنسبة له، وهذا "الكل" المختزل يصبح منفصلا عن الجوهر-  عن الشعب وحقوق الشعب وعن القضية وجوهرها.
حول اللغة وحدود الموقف
سأكتفي هنا بنموذجين يتعلقان بالخطاب السياسي واللغة ومفردات النخب الفلسطينية، فحين تجري تسمية "جدار الفصل العنصري" او "جدار الابرتهايد" ففي الواقع فأن وصفه بالعنصرية او بالفصل العنصري هو أقل بكثير من هدفه كما حددته "اسرائيل"، وهو "الطف" بما لا يقاس من مدى اجراميته ومعاناة ضحاياه. بل أن إطلاق هذه التسمية عليه فذلك يأتي عوضا عن تسمية "بالجدار الاسرائيلي" مثلا أو  وبمفهوم أشمل "الجدار الصهيوني"، وذلك يعكس التفافا على استحقاقات التسمية والتي تعني نزع شرعية المسمى به اي الصهيونية والمشروع الصهيوني في فلسطين. وجدير التأكيد أن الصهيونية سبق وأُدينت في الامم المتحدة حتى وان لم يعد القرار ساريا.
والمثال الاخر هو ما جرت تسميته "احداث أكتوبر" عوضا عن "انتفاضة القدس والاقصى" او "الانتفاضة الثانية بعد أكتوبر". أن "أحداث أكتوبر هي تسمية اسرائيلية دخيلة على فلسطيني الـ 48 في حين تبنتها نخب اكاديمية وسياسية وقيادية في اوساط هذا الجزء من الشعب الفلسطيني. وهذه مقولة تعني الفصل بين فلسطيني الـ 48 وبين فلسطيني الضفة الغربية وقطاع غزة. أنها عملية تطويع للغة تعبّر عن مسعى لتطويع فلسطيني الـ 48 اسرائيليا ورسم الحدود داخل الشعب الفلسطيني وتشتيته وتشتيت قضيته العادلة وتشتيت انتفاضته التي ولاول مرة منذ العام 1948 تنطلق في كل الوطن الفلسطيني.
إن كلا المسميين المذكورين جرى استخدامهما بشكل وظيفي لتدارك "الحرج" عند البعض في تسمية الاشياء باسمها وبالاساس للحيلولة دون استحقاقات الخطاب غير الالتفافي- وبالذات في مسالة "الشرعية"- سواء شرعية اسرائيل ام شرعية القرار الفلسطيني بعد تغييب منظمة التحرير الفلسطينية واستحواذ السلطة الفلسطينية وليدة اتفاقيات أوسلو الظالمة على القرار الفلسطيني الفعلي. وجدير بي أن أعترف في هذا السياق انني سبق واستخدمت تسمية "الابارتهايد" للدلالة على جوهر اسرائيل،  لكن "أحداث أكتوبر" كان وسيبقى مرفوضا ومهينا للناس-  للشعب ولشهدائه. وفي استخدام تسمية الابرتهايد فان احدى الاشكاليات هي ان الابارتهايد ليس بالضرورة اسوأ من اسرائيل وان الصهيونية اكثر من حصرها في العنصرية والفصل العنصري. إنها تتشابه لكن أيضا تختلف.
"معذبو الأرض" وخطاب فانون "العالم ثالثي"
بروح "معذبو الارض" وما يؤكده فرانز فانون فإن دور "المثقف" والقائد هو ليس الصاق المسميات لاحداث صنعتها الناس في نضالها للتحرر القومي بل هو بنقل روح الجماهير الشعبية الثائرة والمنتفضة الى لغة الكلام والثقافة والخطاب والتحريض والتحرير. بل ان "تقدم الوعي القومي لدى الشعب يبدل ويوضح التعبير الادبي الذي يتولاه المثقف المستعمَر" وعن التحرر القومي يقول "كل شي في هذه المعركة يعتبر سلاحا، سواء كان التمثيل او الوعي او الثقافة، ولا يقتصر الامر على الامكانيات المادية فقط، لان تصفية الاستعمار تعتمد على الكائن البشري" ويضيف: "التحرر بالكفاح لا يزيل الاستعمار فحسب بل يزيل المستعمَر أيضا". ويضيف فانون: "العدو يحاول تخريب الامة" ولذلك فان تصفية الاستعمار تعني انهاء المستعمَر وتحرره. يأتينا فانون بتجربة عربية افريقية في مقاومة الاستعمار والتحرر القومي. وهو يؤكد ان التحرر القومي "يجعل الامة حاضرة على مسرح التاريخ. ففي قلب الوعي القومي ينهض الوعي العالمي ويحيا وليس هذا البزوغ المزدوج في اخر الامر الا بؤرة كل ثقافة".
غياب المدينة؟ وماذا عن غياب الريف؟
إن فانون البورتوريكي و"الجزائري" روحا واحد المناضلين الكبار في ثورة التحرر القومي الجزائري من الاستعمار الفرنسي، هو مثقف ومناضل وثائر، أورث في "معذبو الارض" مفاهيمه وفهمه وادراكه لجوهر نضال التحرر القومي ولجوهر الاستعمار ولجوهر الشعب المستعمَر.. انها تجربة متكاملة مع ان مشروعه الكتابي لم يكتمل اذا داهمه الموت وهو في الثلاثينات. ومع هذا فمن الظلم التعامل معه اليوم كمصدر للاقتباسات فحسب، بل انه يزودنا بقراءة عظيمة لروح المقاومة وكفاح التحرير ولروح الانطلاق العفوي ولروح الثقافة القومية والوعي القومي ولروح الشعب وبالذات اكثر الطبقات الشعبية صلابة وقوة في مقاومة الاستعمار حتى دحره، الا وهي طبقة الفلاحين في البلدان المستعمرة وليس البروليتاريا حسب فانون. ان هذه الطبقة (الفلاحين) هي الارضية الصلبة التي تلجا اليها المقاومة وتعيد انطلاقها معها حتى التحرير.
وهذا وبغض النظر عن التأييد او النقاش معه، فانه ينقلنا الى خطاب "الحداثة الفلسطيني" سواء في الوطن ام الشتات وبالذات فلسطيني الـ 48 والذي يؤكد ويشدد على "غياب المدينة" العربية الفلسطينية بمفهومها الثقافي والسياسي والحركة السياسية والمقاومة، لكن  قراءة فانون تجعلنا نتساءل بشكل اكثر الحاحا ان ما يعاني منه الشعب الفلسطيني وما ينقص مشروعه الحداثوي ليس فقط غياب "المدينة" او استعادتها بل ايضا غياب القرية والريف وتغيبهما في الخطاب الثقافي الفلسطيني والسياسي الفلسطيني ومن تجربة شعبنا الفلسطيني فلا احد يدافع عن الارض اكثر من اصحابها الفلاحين الصغار ولا احد يتالم لقطع المستعمرين لاشجار الزيتون اكثر من اصحاب الارض.  ولا أحد يعاني من مشروع تهويد النقب أو بناء المستعمرات أكثر من أصحاب الأراضي. كل ذلك مع تاكيد ان القرية الفلسطينة لم تعد قرية عادية  ولا الريف ريفا بل كلا الريف والمدينة تشوها. اما خطاب "الحداثة" فانه يحصر حدوده في فكرة "المدينة" ويتجاهل الريف والقرية.
مشروع المدينة ومشروع الريف الفلسطيني
تُكثِر النخب الثقافية الفلسطينية وبالذات أنصار خطاب "الحداثة" و"ما بعد الحداثة"، من الحديث عن "غياب المدينة" ويحمّلون على هذا ضعف الحركة الوطنية، وحسب هذا المنطق فإن عودة نشوء "المدينة"، حتى ولو الافتراضية تلازمها نهضة وطنية.
وبكلمات أخرى، في احتلالها لفلسطين عام 1948 وما سبقه وما تلاه قامت الحركة الصهيونية ومشروعها الاستعماري –اسرائيل باقتلاع وتهجير غالبية الشعب الفلسطيني وتدمير ونهب عمرانه المادي والثقافي والروحاني. كما ركزت على محورين متكاملين وهما تدمير واقتلاع ونهب المدينة الفلسطينية وتدمير ونهب الريف القروي الفلسطيني. وما تبقى بعد 1948 هو نكبة متواصلة وضمن ذلك عشرات قليلة من القرى المشتته وبقايا أحياء فقر في المدن الساحلية، ولا يمكن اعتبار القرى والتجمعات المتبقيّة ريفا بمفهوم التكامل والتواصل، ولا بقايا المدن المنهوبة بعد التطهير العرقي مدناً.
يأتينا فانون بتجربة تؤكد قوة العمق الريفي لحركة مقاومة الاستعمار. ومن نماذج قوة الريف والمجتمع القروي الفلسطيني في الانتفاضة الاولى (1987)، وعمليا في كل المعارك دفاعاً عن الأرض والوجود وتوفير مقومات الصمود والمواجهة والمقاومة الشعبية. وكذلك يوم الأرض 1976، ناهيك عن التجربة الأوسع في سنوات الثلاثين والأربعين من القرن العشرين في مواجهة الإستعمار الصهيوني.
لكن إسرائيل أيضا تجاوزت هذا الأمر، ولم تكتف بإحتلال الريف الفلسطيني بل واصلت بشكل منهجي التعامل معه كغنائم "حرب" ونهب ما تبقى منه من خلال مصادرة اراضية وخنقه، في حين واصلت إقامة الريف الصهيوني من "الموشاب" و"الكيبوتس" وأنواع أخرى من المستعمرات، وحولت الفلاح الفلسطيني ومجمل طبقة الفلاحين الى عاملين في هذه المستعمرات في مجال الزراعة وعلى هامش الاقتصاد الاسرائيلي وعلى هامش المزارع الإسرائيلي. عمليا فإن الإستعمار الصهيوني تعلّم الدّرس من كل أشكال الإستعمار الذي سبقه وسعى لخلق "مصلحة" تبعية لمن تبقى من الفلاحين الفلسطينيين الذين تحوّلوا قسراً الى مواطني اسرائيل ولسيطرة استعمارية كاملة، وفرضت الدولة عليهم نظام رقابة وحكم عسكري وإرهاب قانوني قضائي وثقافي وديني وتشويه هوية. فالاستعمار حسب قراءة فانون وحسب تجربة التاريخ، يتعلم من الاستعمار الذي سبقه ويتغذَى منه. كما تحفزّنا قراءة فانون للمقاومة والتحرر ودور الريف، الى أنه في مجتمعات "العالم الثالث" والشعوب التي تخوض معركة التحرر الوطني من الاستعمار فهي بحاجة الى "المدينة" والى "الريف" ونهضة المدنية ونهضة الريف معاً لتتحول الى نهضة وهبّة كل الشعب.
البعد الافريقي والبعد العربي
خلال تعرّضه للتجربة الجزائرية والتجارب الافريقية الاخرى ينبّه فانون الى أن كل أمة مستقلة في أفريقيا ستظل مطوّقة تتربّص بها الأخطار في كل لحظة، الى أن تتحرّر أفريقيا كلها من "الإستعمار". وهذا يعيدنا الى البعد العربي التحريري المغيّب لقضية فلسطين ولكل قضية عربية وطنية. وفي حين بدأت قضية فلسطين كقضية العرب في مواجهة الاستعمار العالمي حاضنة الصهيونية الاستعمارية، فقد حوّلتها حالة التشتيت الاستعماري للعرب والتشتت الذاتي للعرب الى قضية كما لو كان الانفصال عن البعد العربي أمراً طبيعيا أو مفروغا منه. وكما لو كان تحرير فلسطين لا علاقة له بتحرر العالم العربي والأمة العربية.
يربط فانون بين الثقافة الوطنية في كل بلد أفريقي وبين الثقافة الزنجية الأفريقية التي تشكل الحاضنة للثقافات الوطنية المنبثقة عنها،  وهذه الثقافة الجامعة هي في صلب مشروع التحرير الواسع وجزء منه، وهكذا هي الثقافة العربية المتداخلة والمتقاطعة مع الثقافة الافريقية في شمال أفريقيا والمغرب العربي وشرق أفريقيا الشمالي، حيث تجمع هذه المناطق البعدين الثقافيين الافريقي والعربي. وهي أيضا أبعاد تخلّى عنها المشروع الفلسطيني بطبيعته الحالية.
لقد استهدف الاستعمار ولا يزال يستهدف أفريقيا والعالم العربي. وإذ أدركت قيادات ثورات التحرر الوطني والقومي في أواسط القرن الماضي، جوهر الصراع مع الاستعمار وقرروا مقاومته، واقامة المنظومات الدولية مثل دول عدم الانحياز التي ضمت بلدان "العالم الثالث" وأدركوا البعد الواسع الاقليمي والعالمي للتحرر وتحرير الأمم كضمانة لحماية التحرر الوطني للشعوب، فإنّ الاستعمار لا يزول الا بالمقاومة لكن لا ننسى للحظة ان "العدو يحاول أن يخرب الأمة" ولا ينبغي أن نقع بالأوهام وكما أشار فانون "إن الأشكال الوحشية التي يكتسبها وجود المحتل قد تزول زوالا تاماً، والواقع ان زوالها هذا لا يعدو أن يكون إجراءً من أجل الحيلولة دون بعثرة قواته". وهذا ليس بعيداً عن الواقع الفلسطيني وواقع الاستعمار والاحتلال الاسرائيلي. ففي الواقع الاسرائيلي هناك مفردات مثل "اعادة الانتشار"، و"الانسحاب أحادي الجانب" و"اتفاقيات أوسلو" وغيرها. لكن ليس هذا ما يحسم المعركة لان الايام تتلو الايام.
"ولا ينبغي للمستعمَر المنخرط في الكفاح، ولا للشعب الذي يجب ان يستمر في مساندة الثورة، ان يتوقفا. يجب ان لا يتوهما ان الغاية قد تحققت وان الهدف قد تم الوصول اليه. يجب ان نشرح لهم الاهداف الحقيقية الذي يسعى الكفاح لتحقيقها. ويجب ان لا يتخيلوا ان بلوغ هذه الاهداف امر مستحيل" والحرب (التحرير الوطني) "ليست معركة واحدة كبيرة، وانما هي سلسلة من معارك محلية. ليس واحدة منها فاصلة في حقيقة الامر".
 ويبقى دوي تلك المقولة الهائلة مُلهماً للشعوب المستعمَرة وبشكل خاص للشعب الفلسطيني وهي قول فانون: "إن التحرر بالكفاح لا يزيل الاستعمار فحسب، بل يزيل المستعمَر" (بفتح الميم). لن يتوقف الشعب الفلسطيني عن النضال الى ان يزيل الاستعمار والى ان "يزيل المستعمَر" وينعتق ذاتيا كشعب حر في وطن محرر وسعيد.

كلمة شخصية:  حين نتحدث عن مناضل اممي فان فرانز فانون قد جسد هذه التسمية بكامل تعريفها، وهو يعتبر من أبرز المنظرين لثورات التحرر الوطني مع انه لم يقدم نفسه كمنظر للثورات لكنه نقل في "معذبو الارض" تجربة عظيمة.
ولد فرانز فانون في جزر المارتينيك وحارب مع الفرنسيين ضد النازيين في جزر الدومينيك، والتحق لاحقا بالثورة الجزائرية كطبيب نفسي، لكن دوره كان كمناضل وثوري ووصل الى قمة الثورة ضد الاستعمار الفرنسي.. جلّ رصيده الثقافي هو الموروث الذي يكشف جوهر الاستعمار وجوهر ثورة التحرر الوطني الجزائرية من وجهة نظرة كمناضل فيها وكمثقف نقلها الى شعوب العالم.
لم يكتمل مشروعه فقد داهمة المرض وتوفي في 6.12.1961 وهو في السادسة والثلاثين من عمره.
وتحية تقدير الى الصديقة ميريل فانون ماندس فرانس ابنه المناضل وسالكة دربه في دعم كفاح الشعوب من اجل العدالة والكرامة الانسانية والشعب الفلسطيني في كفاحه للتحرر الوطني. وترأس مؤسسة فرانز فانون في باريس.
___________________________________________________________________________________
امبر مخول : اسير فلسطيني وناشط سياسي وكاتب ومحلل سياسي 


http://www.change.org/petitions/release-palestinian-human-rights-defender-ayman-nasser-from-israeli-detention

Release Palestinian Human Rights Defender Ayman Nasser from Israeli DetentionWe call on the United Nations, European Parliament and all international stakeholders to uphold international human rights law and intervene for the immediate release of human rights defender and Addameer researcher, Ayman Nasser from detention by the Occupation.
go her to tack act: http://www.change.org/petitions/release-palestinian-human-rights-defender-ayman-nasser-from-israeli-detention

الثلاثاء، 4 ديسمبر 2012







‘I believe that every human being has opinions and positions and if it’s not violating the law he can freely think and speak these opinions. I am a human rights defender who supports the Palestinian prisoners and I represent my opinions in the public media. My thoughts are not secret, they are public, and everyone knows them’
Ayman Nasser addressing Israeli military court, 18 October 2012
#FreeAyman

الثلاثاء، 6 نوفمبر 2012

صفد....
الكاتب: عزة محمود العزة
ركض الشباب يحملون علي... وهو بنزف دما والما ،مرورا بجانب القلعة القديمة ،وبرج الحمام الزاجل وصولا الى بيت فاطمة الصفدية ،وهي العارفة بالطب الشعبي . فيما المدافع تمطر المدينة موتا وخرابا....... نظرت فاطمة الى المقاتل الجريح وقالت ،هل سنغادر صفد ،هل سنترك كروم التفاح والعنب والتين وقبور امهاتنا.... ،قال علي : هل انت خائفة ؟ فاطمة :اني اخاف من غد وما الذي سيحل بنا ،اين نذهب وماذا سنأكل ،وماذا سنحصد ،وأين نحزن.... وأين نفرح .... وماذا ....وماذا... واين .

صمتت فاطمة وامسكت بالحمام ، وبدأت تكتب الرسائل وتلقيها للحمام ،وفتحت باب القفص وطيرت الحمام من البرج وهي تقول :هذا الحمام من بقايا صفد حين كانت مركزا تجاريا ومركز بريد ،منذ صلاح الدين وصرخت بصوت هستيري :( لا بد من وصول النجده). ثم اجهشها البكاء فجلست على الارض وهي تتمتم لقد مات ابي وهو يوصيني بالارض . ماذا سأقول له في الاخرة !! أضعتها .... ،كان يقول ان أرض صفد بكرية كل عام تعطيك وتعطيك (هيك الله خلقها).

فخاطبها علي الجريح ، لقد احتلوا جبل الجرمق وجبل كنعان وجبل ميرون والسوق وحي العين وهم يدخلون المدينة الان من الحي اليهودي. ارتعبت فاطمة ، واقترب صوت القصف ،وهدير اصوات المهاجرين من القرية ، عويل وبكاء وصرخ . حملت فاطمة علي بجروحه ،ومشت مرورا بالجامع الاحمر وزاية الشيخ العثماني وحي القصبة ، وهامت به مع الناس الهائمين على وجوههم ، لاتدري كيف وجدت نفسها في درعا السورية ،تجلس في خيمة صغيرة مع علي وجروحه والنكبة الفلسطينية.

جروح علي لا زالت تنزف ،بحثت فاطمة عن اعشاب فلسطين التي كانت تعالج بها فلم تجدها ،وهي تبحث تذكرت انها مع علي في نفس الخيمة ولاعلاقة تربطها به ،اسرعت واحضرت الشيخ وعقدت قرانها على علي ،نظر الشيخ الى علي وهو بين الحياه والموت فقال لها ، ابنتي ان زوجك يحتاج للدعاء الكثير.

سرت فاطمة الصفدية الى قبر صلاح الدين للدعاء لزوجها ...وهي تصلي ،حط على رأسها زوج حمام عرفت فاطمة الحمام انه من حمامها الذي ارسلته للنجدة ، حملته و عادت مسرعة ، وهي تفكر كيف ستذبح الحمام ، فتجد في جوفها بقايا أعشاب صفد ، فتصنع المرهم الشافي ، وبقايا قمح صفد فتزرع سهول درعا وتربي سرب حمام يظلل فلسطين والشام ، وتعيش مع علي حتى العودة ....، وصلت البيت فوجدت علي قد فارق الحياة . وعاشت فاطمة أرملة بكرية تنتظر العودة وحدها.

الأربعاء، 31 أكتوبر 2012

عيلبون / بقلم باسل الاعرج و منى العمري


عيلبون



اربع مرات رفع " حاييم بطاطة " اصابعه الثلاثة , كل اصبع كان يشير الى حكم اعدام بحق احد شباب القرية  لن انسى هذا ما حييت .
جلوس في ساحة القرية امام الكنيسة التي لجأنا اليها , احتمينا باسوارها عل بيت الله يحمينا , كل القرية إجتمعت هناك بالاضافة لعائلة المواسي البدوية الذين كانوا ( يعزبون ) في اراضي القرية .
خاطب ذلك الضابط المسؤول عن كتيبة الهاجناه الخوري بصوت ساخط قائلا : اليس انت من لوح بمسدسه وقال بهذا المسدس سأحتل تل ابيب ؟ اذهب الى بيتك وكنيستك لم يحميك الا ملابسك .
واردف يقول : اريد الان ان تسلموني البرن ( رشاش الي ) الذي في القرية والا سنقوم باعدام مخاتير القرية
كان اهل القرية قد جمعوا المالواشتروا مدفعا رشاشا يدعى برين ليشكل نوعا من الردع مقابل اسلحة اليهود , وكان قد اشترى بعض رجال القرية البنادق , كل ثلاثة اشتركوا في ثمن بندقية .
وقف حاييم وبدأ يشير باصبعه ويختار , انت انت وانت وانت , اختار 17 شابا من القرية , يقتادونهم ثلاثا ثلاثا بحسب اشارات حاييم , يعود الجنود مبتسمين يتضاحكون بعد ان نسمع صوت الرصاص , وزعوا الشباب في كل اطراف القرية واعدموهم , قتلوا 12 شاب من القرية وقتلوا 15 من البدو من عشيرة المواسي,بعد سنين طوال عرفنا سبب حقدهم هذا , كان اثنان من الصهاينة المقاتلين قد قتلوا في معركة بالقرب من عيلبون وكانت اخت احدهم في القوة المهاجمة للقرية وقد حرضتهم على الثار لاخيها فكان المقابل 27 شابا عربيا.
الشباب الخمسة الاخرين وضعوهم امام القافلة العسكرية كدروع بشرية وامروا اهل عيلبون بالمسير الى قرية المغار , في قرية المغار امرهم جنود اخرين بالاستمرار مشيا الى الشمال حيث لبنان .
استقر اهالي عيلبون ومن يساكنهم من البدو في مخيم المية مية .
اقترب مني ذلك الجندي وسالني:  ما اسمك ؟
كنت ما ازال في الحادي والعشرين من عمري اجبته : بطرس شكري الياس مته .
قال لي : تحرك
                                                                                 : لست قادرا على المشي انا مصاب .اجبته
فقال لي : اذهب الى البيت اذا .
......
.
وصلنا الى المغار , كان حشد كبير من الناس هناك ,امرنا الجنود ان نكمل طريقنا شمالا , المغار لم ترحل فقد حمى اهلها بعض رجال الدين الدروز ومنعوا ترحيل اهلها ورضخ الصهاينة , وصلنا صيدا ونزلنا في مخيم يدعى المية مية .
الجو بارد جدا جدا هنا , نحن في اخر الخريف ونقبل على الشتاء , لا اغطية ولا متاع معنا , اقترح بعض الاهالي ان يعود احدهم الى القرية لكي يجلب بعضا من المتاع .
وقفت انا فارس ذيب المواسي , اسرجت حصاني وتوجهت جنوبا , مررت من القرى المهجرة كانت ملامح الحياة ما تزال تنبض فيها , تجنبت الطرق الاعتيادية لكي لا اصادف احدا من اليهود , وصلت عيلبون اخيرا .
وصلت الى القرية كان قد بقي فيها بعض كبار السن والخوري وشابان جريحان , ذهبت مباشرة الى بيت الخوري المطل على ساحة القرية التي اصبحت تعرف فيما بعد بساحة الشهداء , استقبلني واطمئن على الاخبار والناس , وقام باعطائي رسالة وقال لي :
" اعطيها لابني ولابن اخي في بيروت وكن حريصا عليها "
سالته : واذا اسرت في طريق عودتي ووقعت في يد اليهود يا ابونا ؟.
اجاب : لا تقلق فقد كتبتها بلغة لا يعرفها الا انا وابني .
وضعت الرسالة بين اكوام المتاع على ظهر الحصان وعدت الى صيدا .
........
ما زال الالم يقتلني , الرصاصة التي في فخذي ما زالت مستقرة في مكانها , كيفية اختيار الضحايا تزعجني عاملونا وكاننا لسنا بشرا , منظر ذلك الطفل الذي لم يتجاوز السنتين وهو مجبر على رفع يديه مثل باقي اهل القرية يؤرقني .
وجوه الشهداء واسمائهم تطاردني
نعيم , بديع , فؤاد , جريس , فضل , محمد , عازر , حنا , ميلاد , سمعان , عبد الله , رجا , زكي , وميخائيل , لم يكونوا ارقاما كانوا عائلات وقصص عشق وبيوت وتاريخ ومستقبل , ابتسامات واحزان  , امل وخيبات , كان لهم  زوجات واطفال , كتب مدرسية , ارض تنتظر من يداعبها لتفشي له اسرارها , كان لهم حيوانات تالفهم وتنتظر قدومهم ليطعموها , كان لهم حبيبات وقبلات مسروقة خفية عن الله والناس , كان لهم موائد يعمرها الضيوف , كان لهم اغانيهم وتراتيلهم وتلاواتهم , لكن لم يبقى الا المراثي .
 وفد من الامم المتحدة والصليب الاحمر كانوا قد مرواصدفةوقاموا بمعاينة الجثث وأرسلوا بدورهم ايضا رسالة للأمم المتحدة يصفون الوضع في عيلبون .. طلب مني الخوري بعدها ان ندفن الشهداء , دفنتهم انا وبعض الشباب من القرى المجاورة .
.......
تنهد قليلا ثم وقف وقال بعد ان سلمته الرسالة وقد قرأها :
ابي الخوري مرقص يطلب مني ان ارسل رسائل عدة الى كافة الجهات ومنها الامم المتحدة , احدثهم عن مجزرة القرية وطردهم لنا , ويطلب مني ان اطلب منهم الضغط على الصهاينة لنعود الى عيلبون , ويحذرني بأن لا اقع في فخ طائفيتهم التي يريدون اسقاطها علينا , يأمرني بأن لا نعود الا وعائلة المواسي معنا , فلسنا طوائف انما نحن مجتمع واحد كالبنيان المرصوص فاياكم وخدعهم , فان لم يعود كل اهل القرية ومن ساكنهم فلا تعود .
بدأابن الخوريوابن عمه في ارسال الرسائل الى كل الجهات طالبين بأن يضغطوا على الصهاينة لكي يعودوا الى اراضيهم .
.......
كان الوقت قد تجاوز العصر عندما ارسل لي الخوري ان ازوره في بيته .
عندما وصلت كان كل الباقيين في القرية قد اجتمعوا , قال الخوري : لقد استطعنا ان نجبر الصهاينة على القبول بعودة اهالي عيلبون الى القرية , حملت احدهممن دير حنا رسالة الى لبنان ليوصلها الى الاهل هناك بأن يعودوا الا انه عاد بعد يومين وبعد ان اخذ 40 جنيه ليقول لي انه لم يجد احدا من عيلبون , ما العمل ؟
علمت بأنه لا بد لاحدنا ان يفعل هذا , تشجعت وقلت : انا سأذهب يا ابونا .
قال لي : يا بطرس انت ما زلت مصابا , وهل تعرف الطريق الى لبنان ؟
اجبته : سأوكلها الى الرب , علما اني لم اتجاوز قرية المغار في ذلك الوقت ابدا .
اعددت عدتي وتجهزت قبل طلوع الفجر بساعة وانطلقت شمالا , قابلت بعضا من الناس فسألتهم الى اين هم متوجهين , اخبروني ان وجهتهم هي نفس وجهتي , فرافقتهم الى ان وصلت الى مخيم المية مية .
كان لقاء حميميا , الاسئلة تتوالى وتتكاثر , كل يريد ان يطمئن على الاخبار وعلى اقاربهم وعلى اراضيهم .
........
ران  الصمت بعد ان قال لهم ابن الخوري بأن يصمتوا لكي نسمع ما يحمل من اخبار , وقفت وما ان قلت " سمح لنا بالعودة " حتى دب الفرح والبكاء وصرخات الشكر والمناجاة لكل ما يؤمنون به .
قطع ذلك المشهد قول احد كبار السن " بس يا جماعة في مشكلة " , سكت الجميع لكي يكمل حديثه فقال :
عائلة المواسي لها نصيب من دم الصهاينة وهم من المغضوب عليهم واعمامك الاثنين يا فارس من المطلوبين للصهاينة , ولن نعود الا جميعا , لن نترك احدا خلفنا من القرية , وهناك منهم اثنين مطلوبين للصهاينة , فماذا سنفعل ؟
الحيرة بدت على محيا الجميع الى ان قال احدهم مازحا :
وشو يعني ؟ هو اليهود اللي ولدوهم وحافظين اشكالهم ؟ القصة بسيطة بنغير بس اسم عيلة المواسي لاسم اخر .
وقف فارس ذيب المواسيوقال : نعم صحيح , سنغير اسم العائلة الى شواهدة .
وهذا ما حدث
.......
بدات العودة , في الصباح التالي انطلق بطرس مع 17 فرد من القرية عائدا الى عيلبون , وصلوا الى مدخل القرية الشرقي , انسل بطرس متوجها الى الخوري واخبره بما حدث .
بعد عدة ايام انطلق باقي اهل القرية في رحلة العودة من صيدا الى عيلبون , كل اهالي القرية في قافلة العودة ويرافقهم البدو من المواسي , وصلوا الى مداخل القرية بدأ حاجز عسكري بالتأكد من هوياتهم , فقد عرفوا احد اعمام فارسوقال الجندي : ومنذ متى كان هناك مسلمون في عيلبون ؟ .
احد شباب القرية لم يمهله كثيرا حتى اجابه : ومنذ متى الاغراب يقسمون بيننا الورثة ؟ ومن كلفك لتسال عن دين فلان وعلنتان ؟ هذا اسلوب كل الغزاة " فرق تسد " تريدون تقسيمنا لمسلمين ومسيحيين ودروز وبدو وارمن وشكرس ووو .
اجاب الضابط : انتم تعودون هم لا .
رد عليه الشاب بحدة وقد اجتمعت كل القافلة واجتمع اهل القرية ممن عادوا وجاء الخوري مرقص : لا يوجد نحن وهم , نحن نحن وكفى , فاما ان نعود نحن او لا نعود .
ضج الجمع , الصيحات تتعالى , الكل يؤكد على كلام الشاب , خاف الجند , خمدت فتنتهم الطائفية . وعاد الكل .
عاد الكل ليجدوا ان بيوتهم قد نهبت وحيواناتهم قد سرقت , ومزروعاتهم قد سلبت , لم يطل الامر ابدا حتى جاء سكان القرى المحيطة بالعونة بالطعام والغذاء والملابس جاؤوا من دير حنا وعرابة , كخلية النحل الكل يعمل لاعادة بناء ما تهدم من قصف البيوت وتفجيرها , الكل يعمل لاعادة زرع المزروعات واستنهاض الارض وخيراتها .
خرج في 30/10/1948  ( 670 )شخص من سكان عيلبون متجهين شمالا , بعد سبعين يوما وعلى اثر موقف الخوري وابنه واهالي القرية عاد الى عيلبون والقرى المحيطة اكثر من 4000 فلسطيني .
https://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=Ie-EzP1f2uY


منى عمري
باسل الاعرج 

السبت، 20 أكتوبر 2012


قصة قصيرة.. بيت جبرين
كان الخريف . في العام 1948 . وصلنا الى المدرسة ، اصطففنا ، قرأنا سورة الفاتحة ، وانشدنا " بلاد العرب اوطاني من الشام لبغدان، ومن نجد الى يمن الى مصر فتطوان " . لم ندخل غرفة الصف كعادتنا ، قالت المعلمة اليوم ذكرى معركة اجنادين التي حدثت على اراض القرية ، واليوم سوف نمثل معا معركة اجنادين ، قسم يمثل جيش الروم ويبقى في المدرسة ، والقسم الثاني يخرج الى اماكن مختلفة في البلد . ويعود مسلحا بالاجابة عن سؤال لماذا سمي هذا المكان بهذا الاسم ،واضافت المعلمة من يعود مع اجابة صحيحة يدخل المدرسة منتصرا ،ويخرج واحد بدلا عنه من المدرسة من الخصوم ، وهكذا....... ، اضافت هيا انطلقوا ......

احمد ذهب الى الجامع العمري .. ، فاطمة توجهت الى تل صندحنا ، هنده توجهت الى مقام الشيخ تميم الداري ، ابراهيم الى منطقة الانتيكا ، عبد العزيز الى بيرالعجمي ، يوسف الى برج الحمام .

ركضت مسرعة الى الى المقام ، فوجدت جدي ، سألته عن اسم المكان ، اجابني ، ثم سألني عن دورنا ، فقلت نحن جندرما المسلمين ، قال لا الجندرما اتراك ، فقلت اذا نحن فرق الخيالة ، قال هؤولاء انجليز ، ركضت مسرعة وهو يقول ، انتم كتائب فلسطين او قال كتائب المسلمين ، لاتسعفني الذاكرة الان .
وصلت مسرعة الى المدرسة سألني من في الداخل ما سبب تسمية المقام ، اجبت . ودخلت المدرسة منتصرة ، جاء ابراهيم ودخل منتصرا ، وكلما عرفنا انتصرنا ، وتراجع فريق الروم وصل يوسف وانتصر ، كنا فرحين وكدنا ننتصر في معركتنا ، لولا تأخر عبد العزيز الذي ذهب الى بير العجمي ، ولم يعد.

كنا ننتظر ، نظرت الى المعلمة ،كانت تنظر الى السماء ،اختفت ابتسامتها ، وبدأت تصرخ علينا بأن ندخل الى غرفة الصف ، حينها سمعت صوتا لم اسمع مثله من قبل سقطت على الارض وفقدت الوعي . فتحت عيني وابي يمسك يدي ، كانت المعلمة جثة هامدة ، ملطخة بالدماء ، والمدرسة اصبحت رماد ، كان اشبه بيوم القيامة ، الجميع يصرخ ويركض ، وانا اقول انتصرنا على الروم في المعركة لكنهم فجرو شيئا كبيرا ، وابي يسحبني من يدي ويقول هذه طائرة للصهاينه تقصف البلد ، امي تحمل بعض الارغفة واخي الصغير وتركض ، عمتي اطلقت سيقانها للريح وتركض ، عمي خالى والجيران الجميع يركض بعيدا عن البلد .

عبد العزيز لم يعد حتى اليوم من بير العجمي ، فاطمة وصلت الاردن ثم العراق ،وانقطعت اخبارها ، ابراهيم يقبع الان في مخيم الفوار في الخليل ، يوسف يعيش في مخيم سوف في جرش ، وأنا غادرت مخيم بيت جبرين الى قبر ما في ارض فلسطين ، واحمد الذي اصبح ابو العبد وهوالان في نهاية العقد السابع وفي خريف عمره ، يؤذن في الجامع العمري في مخيم الوحدات في الاردن، وبين الاذآن والاذآن يستذكر المدرسة ومعركتنا ... وينشد " بلاد العرب اوطاني من الشام لبغدان " .