الاثنين، 8 أكتوبر 2012


الدولة الوحشية والتطهير الثقافي بقلم: د.شبلي محمود العزة
الدولة الوحشية........ والتطهير الثقافي
د.شبلي محمود العزة

انها لحظة تشكل ثقافة مصطنعة وميلاد دولة جديدة..... إنها دولة الاستعمار ....دولة اسرائيل... العنصرية ...التطهير العرقي... التطهير الثقافي.
إنها لحظة تدمير ثقافة أصيلة... إنها لحظة تغييب مشروع دولة..... إنها لحظة ابادة شعب....ولحظة تذويب مشروع نهضوي.
المتتبع للاحداث التي جرت من بداية القرن الماضي حتى 1948، يرى بوضوح أن هناك تعاونا بين دول الاستعمار ودول الجوار في ايجاد وبلورة مشروع احلالي على الارض الفلسطينية. استطاعت العصابات الصهيونية تدمير 531 قرية فلسطينية وطرد سكانها، بينها 270 قرية هجرها سكانها جراء هجوم عسكري مباشر، و 122 قرية طرد سكانها على يد القوات الصهيونية، وقد وثق سلمان ابو سته أكثر من 200 جريمة حرب و 34 مجزرة، وشردت تلك العصابات ما يقارب( 800 الف ) مواطن فلسطيني من ارضة، واستشهد الاف الفلسطينيين. هذا الترحيل والتشريد للفلسطيني كان مخططا له فلم يتمكن هذا المواطن من حمل الا ما وسعت يداه. لقد ترك كل شيء.
بداية العام 1947 كان في فلسطين(487) مدرسة حكومية و(317) مدرسة خاصة، بلغ عدد المعلمين في تلك المدارس (3772) معلما، وبلغ عدد الطلبة (118 الف) طالب.وكان هناك مئات المكتبات التابعة للمدارس ومئات المكتبات الخاصة والعامة. وعشرات الصحف والمجلات والمطبوعات، ودور النشر، والمطابع فمثلا( مطبعة جورج حنانيا في القدس فقد ذكرت المصادر ان هذه المطبعة طبعت ما بين العامين 1892- 1909 مائتين وواحد وثمانين كتابا عربيا وبعض الكتب باللغة الاجنبية)
واذا ما وضعنا هذه المعطيات وغيرها امامنا بالتاكيد سنعرف لماذا كان الحقد والعداء الصهيوني اتجاه كل ما هو فلسطيني ببساطة لقد كانت نسبة التمدن في اوساط المجتمع الفلسطيني مرتفعة فمن الناحية التكنولوجية كانت فلسطين من الاقطار المتقدمة في الشرق الاوسط والمدينةالفلسطينية مزدهرة (حيفا، يافا، القدس ونابلس، والخليل) والتطور كان مشهودا ليس فقط بالتجارة والبنوك والصناعات والمواصلات بل في الحياة الثقافية والفنية بتجلياتها وادبياتها.

لقد ترك ابناء الشعب الفلسطيني مئات بل الاف الكتب في مكتبات المدارس والمكتبات البيتية والخاصة، وتنوعت الكتب بين الموسوعات والمخطوطات والكتب النادرة والقصص والتراث الفكري والديني العربي والاسلامي، بمعنى أن فلسطين مثلت في تلك الفترة سلة غذاء تراثي وارث حضاري إنساني. وتشير المصادر رغم عدم توفرها أو قلتها الى أن العصابات الصهيونية استولت على تلك الكتب وصادرتها بمخطط كان يسير بتوجيه من أعلى هرم السلطة ( الاستيلاء على التاريخ والتراث).
اجتاحت جحافل الغزاه بيوت الفلسطينيين بيتا بيتا. والمدارس مدرسة مدرسة والمكتبات العامة والخاصة بالافراد والمؤسسات، وجمعت الكتب والمجلات والمطبوعات والنشرات وارسلتها لبيت الكتب الوطني، ومخازن الجيش الصهيوني و مكتبة الجامعة العبرية والارشيف الوطني الاسرائيلي. فتم جمع بين العاميين 1948 -1949 حوالي (300 الف كتاب)، وصلت للمكتبة الوطنية ومكتبة الجامعة العبرية. منها (30 الف ) كتاب من مدينة القدس ومن 40 – 50 الف كتاب من مدن حيفا ويافا، والباقي من القرى والمدن الاخرى.
لقد اشار احد الباحثين الاسرائيليين(غيش عميت) في مقالة له نشرت باللغة الانجليزية في مجلة Jerusalem Quarterly العدد 33 الصفحات (7-21) حول "كتب الفلسطينيين في عام 1948" الى نص رسالة ارسلت الى الدكتور كورت وورمان مدير "بيت الكتب الوطني في 26 تموز 1948 اي بعد ثلاثة أشهر من احتلال حي القطمون في القدس. 
ومما ورد بالرسالة: 
"بحسب تقديري فقد تمّ حتى الآن جمع حوالي 12 ألف كتاب، وربما أكثر. قسم كبير من مكتبات الكتاب والمتعلمين العرب موجود الآن في مكان آمن. كما توجد في حوزتنا عدة أكياس من المخطوطات التي لم تتضح قيمتها بعد. غالبية الكتب مصدرها من القطمون، ولكن أيضًا وصلنا إلى حيّ الألمانية والبقعة والمصرارة. لقد وجدنا عدة مكتبات عربية فاخرة في المصرارة. وأخرجنا من المصرارة أيضًا قسمًا من مكتبة المدرسة السويدية. لم تهدأ النفوس بعد في ذلك المحيط، لكن آمل بأن يكون في وسعنا مواصلة العمل هناك في غضون الأيام القريبة القادمة... قبل عدة أيام وضعت الجامعة (المقصود العبرية) تحت تصرّف هذه العملية 2- 3 عمال من مستخدميها. وقد أدى هذا إلى نجاعة كبيرة في العمل الذي اقتصر عدد المشتغلين فيه خلال الفترة الأخيرة على ثلاثة أشخاص فقط، هم غولدمان، إلياهو وأنا. وهؤلاء لم يعملوا فيه يوميا وإنما على فترات متقطعة".
ويشير نفس الباحث إلى أنه حتى أوائل العام 1949 تم جمع 18 ألف كتاب آخر، وبذلك فقد تسلم "بيت الكتب الوطنيّ" حوالي 30 ألف كتاب من العرب سكان القدس الغربية فقط، هذا دون حساب عدد الكتب التي جرى نهبها في مناطق أخرى، وأساسًا في المدن الفلسطينية الكبرى مثل حيفا ويافا. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق